قال القرطبي (١) : «وليس بلوغ الأشدّ مما يبيح به قرب ماله بغير الأحسن ؛ لأن الحرمة في حقّ البالغ ثابتة ، وخصّ اليتيم بالذّكر ؛ لأن خصيمه الله ـ تعالى ـ ، والمعنى : لا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن على الأبد حتّى يبلغ أشدّه ، وفي الكلام حذف تقديره : فإذا بلغ أشدّه وأونس منه الرّشد ، فادفعوا إليه ماله».
والأشدّ : اختلف النّحويّون فيه على خمسة أوجه :
فقال الفرّاء : «هو جمع لا واحد له ، والأشدّ واحدها «شدّ» في القياس ، ولم أسمع لها بواحد».
وقيل : هو مفرد لا جمع ، نقل ابن الأنباري ذلك عن بعض أهل اللّغة ، وأنه بمنزلة «الآنك» ، ونقل أبو حيّان عنه (٢) : أن هذا الوجه مختاره في آخرين ، ثم قال : «وليس بمختار ؛ لفقدان أفعل في المفردات وضعا».
وقيل : هو جمع «شدّة» ، و «فعلة» يجمع على «أفعل» ؛ كنعمة وأنعم ، قاله أبو الهيثم ، وقال : «وكأن الهاء في الشّدة والنّعمة لم تكن في الحرف ، إذ كانت زائدة ، وكان الأصل نعم وشدّ فجمعا على «أفعل» ؛ كما قالوا : رجل وأرجل ، وقدح وأقدح ، وضرس وأضرس».
وقيل : هو جمع شدّ [بضم الشّين نقله ابن الأنباري عن بعض البصريّين ؛ قال : كقولك : هو ودّ ، وهم أودّ](٣).
وقيل : هو جمع شدّ بفتحها ، وهو محتمل.
والمراد هنا ببلوغ الأشد : بلوغ الحلم في قول الأكثر ؛ لأنه مظنّة ذلك.
وقيل : هو مبلغ الرّجال من الحيلة والمعرفة.
وقيل : هو أن يبلغ خمسة عشر إلى ثلاثين.
وقيل : أن يبلغ ثلاثة وثلاثين.
وقيل : أربعين.
وقيل : ستّين ، وهذه لا تليق بهذه الآية ، إنما تليق بقوله ـ تعالى ـ : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ (٤) أَرْبَعِينَ سَنَةً) [الأحقاف : ١٥] ، وتقدم منه طرف في النساء.
والأشدّ مشتق من الشّدّة ؛ وهي القوّة والجلادة ، وأنشد الفرّاء ـ رحمهالله تعالى ـ : [البسيط]
٢٣٨٢ ـ قد ساد وهو فتى حتّى إذا بلغت |
|
أشدّه وعلا في الأمر واجتمعا (٤) |
__________________
(١) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٨.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٥٢.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر : اللسان (جمع) التهذيب ١ / ٤٠١ (جمع) ، الدر المصون ٣ / ٢١٧.