الجارّ هنا في قوّة المنطوق به ، وإنما حذف ؛ لأنّه يطّرد حذفه مع أنّ وأن لطولهما بالصّلة ، ولذلك كان مذهب الجمهور أنها في محلّ جرّ بعد حذفه لأنّه كالموجود ، ويدل على ما قلته ، ما قال الحوفيّ ؛ قال : «حذفت الباء لطول الصّلة وهي مرادة ، ولا يكون في هذا عطف مظهر على مضمر لإرادتها».
وأمّا الثاني : فالمعنى صحيح غير فاسد ؛ لأن معنى توصيتنا باستقامة [الصّراط ألّا نتعاطى ما يخرجنا عن الصّراط فوصيتنا باستقامته](١) مبالغة في اتّباعه.
وأما قراءة ابن عامر فقالوا : «أن» فيها مخفّفة من الثّقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن ، أي: «وأنّه» ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) [يونس : ١٠] ، وقول الأعشى : [البسيط]
٢٣٨٤ ـ في فتية كسيوف الهند قد علموا |
|
أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (٢) |
وحينئذ ففيها الأربعة أوجه المتقدّمة المذكورة في المشدّدة.
وقرأ ابن (٣) عامر وابن كثير : «سراطي» بالسّين ، وحمزة : بين الصّاد والزّاي ، والباقون : بالصّاد صافية ، وفي مصحف عبد الله : «وهذا صراطي» بدون «أنّ» ، و «هذا صراط ربّك».
قوله : (فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ).
أي : الطّرق المختلفة التي عدا هذا الطّريق ؛ مثل اليهوديّة ، والنصرانية ، وسائر الملل ، وقيل : الأهواء والبدع.
(فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أي : فتقعوا في الضّلالات.
روى ابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ عن النّبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه خطّ خطا عن يمينه ، وخطّ عن شماله خطوطا ، ثم قال : هذا سبيل الله ، وهذه سبل ، على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليها ، ثم تلا : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ)(٤).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : هذه الآيات محكمات ، لم ينسخهنّ شيء من
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) تقدم برقم ٢٠٢٥.
(٣) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٨ ، الدر المصون ٣ / ٢١٩.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٤٣٥ ، ٤٦٥ ، في مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والدارمي في السنن ١ / ٦٧ ، باب في كراهية أخذ الرأي. والنسائي في «السنن الكبرى» على ما ذكره المزي في تحفة الأشراف ٧ / ٢٥ ، الترجمة (٩٢١٥) ، و ٧ / ٤٩ الترجمة (٩٢٨١).
والحاكم (٢ / ٣١٨) والبغوي في «شرح السنة» (١ / ١٧٥) من حديث عبد الله بن مسعود.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٠٦) وزاد نسبته للبزار وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم.