وأتل أن هذا صراطي مستقيما ، والمراد بالمتكلّم النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن صراطه صراط الله ـ عزوجل ـ ، وهذا قول الفرّاء (١) ـ قال : «بفتح «أنّ» مع وقوع «أتل» عليها ، يعني : أتل عليكم أنّ هذا صراطي مستقيما».
والثاني : أنها منصوبة المحلّ أيضا نسقا على (أَلَّا تُشْرِكُوا) إذا قلنا بأنّ «أن» المصدريّة ، وأنّها وما بعدها بدل من «ما حرّم» ، قاله الحوفيّ.
الثالث : أنها على إسقاط حرف لام العلّة ، أي : ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) [الجن : ١٨].
قال أبو عليّ : من فتح «أنّ» فقياس قول سيبويه ـ رحمهالله تعالى ـ أنه حملها على «فاتّبعوه» والتقدير : ولأن هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ؛ كقوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [المؤمنون : ٥٢].
قال سيبويه (٢) : «ولأنّ هذه أمّتكم» ، وقال في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ): ولأنّ المساجد.
قال بعضهم : «وقد صرّح بهذا اللام في نظير هذا التّركيب ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا) [قريش : ١ ـ ٣] ، والفاء على هذا كهي في قولك : زيدا فاضرب ، وبزيد فامرر ، وتقدم تقريره في البقرة (٣).
قال الفارسي : قياس قول سيبويه في فتح الهمزة أن تكون الفاء زائدة كهي في «زيد فقائم».
قال شهاب الدّين (٤) ـ رحمهالله تعالى ـ : «سيبويه لا يجوّز زيادتها في مثل هذا الخبر ، وإنما أراد أبو عليّ بنظيرها في مجرّد الزّيادة وإن لم يقل به ، بل قال به غيره».
والرابع : أنها في محلّ جرّ نسقا على الضّمير المجرور في «به» أي : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) وبأنّ هذا هو قول الفراء (٥) أيضا. وردّه أبو البقاء (٦) بوجهين :
أحدهما : العطف على الضّمير المجرور من غير إعادة الجارّ.
الثاني : أنه يصير المعنى : وصّاكم باستقامة الصّراط ، وهذا فاسد.
قال شهاب الدّين (٧) : والوجهان مردودان :
أما الأوّل : فليس هذا من باب العطف على المضمر من غير إعادة الجارّ ؛ لأن
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٦٤.
(٢) ينظر : الكتاب ١ / ٤٦٤.
(٣) الآية : ٤٠.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١٩.
(٥) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٦٤.
(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٥.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١٩.