وذكر الزمخشري فيهما تخريجين (١) ثانيهما لنفسه ، فإنه قال بعد أن حكى القراءة : وفسّر بأنّ معناه وهو يطعم ولا يستطعم.
وحكى الأزهري (٢) : أطعمت بمعنى استطعمت ، ونحوه : أفدت (٣) ، ويجوز أن يكون المعنى : هو يطعم تارة ، ولا يطعم أخرى على حسب المصالح ، كقولك : هو يعطي ويمنع ، ويقدر ويبسط ويغني ويفقر.
قال شهاب الدين (٤) : هكذا ذكر أبو حيّان (٥) هذه القراءات.
وقراءة الأشهب (٦) هي كقراءة ابن أبي عبلة والعماني سواء لا تخالف بينهما ، فكان ينبغي أن يذكر هذه القراءة لهؤلاء كلّهم ، وإلّا يوهم هذا أنهما قراءتان متغايرتان ، وليس كذلك (٧).
وقرىء شاذّا (٨) : «يطعم» بفتح الياء والعين ، «ولا يطعم» بضم الياء وكسر العين ، أي: وهو يأكل ، ولا يطعم غيره ، ذكر هذه القراءة أبو البقاء (٩) قال : «والضمير راجع على الولي الذي هو غير الله».
فهذه ست قراءات ، وفي بعضها ـ وهو تخالف الفعلين ـ من صناعة البديع تجنيس التشكيل ، وهو أن يكون الشّكل فارقا بين الكلمتين ، وسمّاه أسامة بن منقذ تجنيس التّحريف ، وهو تسمية فظيعة ، فتسميته بتجنيس التّشكيل أولى.
قوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) يعني من هذه الأمّة ، والإسلام بمعنى الاستسلام لأمر الله تعالى.
وقيل : أسلم أخلص ، و «من» يجوز أن تكون نكرة موصوفة واقعة موقع اسم جمع أي : أوّل فريق أسلم ، وأن تكون موصولة أي : أوّل الفريق الذي أسلم ، وأفرد الضمير في «أسلم» إمّا باعتبار «فريق» المقدّر وإمّا باعتبار لفظ «من» ، وقد تقدّم الكلام على «أول» وكيف يضاف إلى مفرد بالتأويل المذكور في سورة البقرة (١٠).
قوله : (وَلا تَكُونَنَّ) فيه تأويلان :
أحدهما : على إضمار القول ، أي : وقيل لي : لا تكونن.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٩.
(٢) ينظر : تهذيب اللغة ٢ / ١٩٠.
(٣) في ب : أقرب.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٩ ، الدر المصون ٣ / ٢١ ، البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٧) في ب : ولا يستطيع.
(٨) قرأ بها مجاهد ينظر : الشواذ (٤٢) ، الدر المصون ٣ / ٢١.
(٩) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٧.
(١٠) ينظر : الآية رقم (٤١) من سورة البقرة.