إليه رؤوس المشركين ، وقالوا : تخيّر (١) من أصبحنا وجها وادفع إلينا محمدا ، فقال أبو طالب : ما أنصفتموني أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربّي ولدكم (٢).
وروي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم دعاه إلى الإيمان فقال : لو لا أن تعيّرني قريش لأقررت بها عينك ، ولكن أذبّ عنك ما حييت (٣) ، وقال فيه أبياتا : [الكامل]
٢١٣٤ ـ والله لن يصلوا إليك بجمعهم |
|
حتّى أوسّد في التّراب دفينا |
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة |
|
وابشر وقرّ بذاك منك عيونا |
ودعوتني وعرفت أنّك ناصحي |
|
ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا |
وعرضت دينا قد علمت (٤) بأنّه |
|
من خير أديان البريّة دينا |
لو لا الملامة أو حذار مسبّة |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا (٥)(٦) |
واعلم أنّ القول الأوّل أشبه لوجهين :
أحدهما : أنّ جميع الآيات المتقدمة في ذمّ طريقتهم ، فلذلك كان ينبغي أن يكون قولهم : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) محمولا على أمر مذموم ، وإذا حملناه على أنّ أبا طالب كان ينهى عن إيذائه لما حصل هذا النّظم (٧).
وثانيهما : قوله تبارك وتعالى بعد ذلك : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) يعني به ما تقدم ذكره ، ولا يليق ذلك النهي عن أذيّته ، لأن ذلك حسن لا يوجب الهلاك (٨).
فإن قيل : إنّ قوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) يرجع إلى قوله : (يَنْأَوْنَ عَنْهُ) لا إلى قوله : (يَنْهَوْنَ عَنْهُ) ؛ لأن المراد بذلك أنهم يبعدون عنه بمفارقة دينه وترك موافقته وذلك ذمّ.
فالجواب أن ظاهر قوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) يرجع إلى كل ما تقدّم ذكره ، كما يقال : «فلان يبعد عن الشيء الفلاني وينفر عنه ، ولا يضرّ بذلك إلّا نفسه» ، فلا يكون (٩) هذا الضرر متعلّقا بأحد الأمرين دون الآخر.
__________________
(١) في ب : خذ شابا.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٧٢) والحاكم (٢ / ٣١٥) والطبراني كما في «مجمع الزوائد».
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٥) وزاد نسبته للفريابي وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه والبيهقي في «الدلائل» عن ابن عباس.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٢٦١.
(٤) في القرطبي : عرفت.
(٥) في القرطبي : يقينا.
(٦) تقدم.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٥٦.
(٨) ينظر : المصدر السابق.
(٩) في ب : فيكون.