لو دخلت «الفاء» هنا لأفسدت المعنى ، وإنما أراد : لا تجمع النّهي والإتيان وتقول (١) : «لا تأكل السّمك وتشرب اللبن» لو أدخلت الفاء هنا لفسد المعنى.
قال أبو حيّان : ويوضّح لك أنها ليست بجواب انفراد «الفاء» دونها ، فإنها إذا حذفت انجزم الفعل بعدها بما (٢) قبلها لما تضمّنه من معنى الشّرط إلّا في النفي ، فإن ذلك لا يجوز.
قال شهاب الدين (٣) ـ رحمهالله تعالى ـ : قد سبق الزمخشري إلى هذه العبارة أبو إسحاق الزّجّاج ، قال أبو إسحاق (٤) : نصب على الجواب بالواو في التّمنّي كما تقول : «ليتك تصير إلينا ونكرمك».
المعنى : ليت مصيرك يقع وإكرامنا ، ويكون المعنى : «ليت ردّنا وقع وأن لا نكذّب».
وأمّا كون «الواو» ليست بمعنى «الفاء» فصحيح ، على ذلك جمهور النحاة ، إلّا أنّي رأيت أبا بكر بن الأنباريّ خرّج النّصب على وجهين :
أحدهما : أنّ «الواو» بمعنى «الفاء».
قال أبو بكر : في نصب «نكذّب» وجهان :
أحدهما : أن «الواو» مبدلة من «الفاء» ، والتقدير : يا ليتنا نردّ فلا نكذّب ونكون ، فتكون «الواو» هنا بمنزلة «الفاء» في قوله : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الزمر : ٥٨]. يؤكد هذا قراءة ابن (٥) مسعود ، وابن أبي إسحاق «يا ليتنا نردّ فلا نكذب» بالفاء [منصوبا](٦).
والوجه الآخر : النّصب على الصرف ، ومعناه الحال ، أي : يا ليتنا نردّ غير مكذّبين.
أمّا قراءة ابن عامر ـ برفع الأوّل ونصب الثاني ـ فظاهرة بما تقدّم ؛ لأن الأول يرتفع على حدّ ما تقدم من التأويلات ، وكذلك نصب الثاني يتخرج على ما تقدم ويكون قد أدخل عدم التكذيب في التّمنّي أو استأنفه ، إلّا أنّ المنصوب يحتمل أن يكون من تمام قوله : «نردّ» أي : تمنّوا الرّدّ مع كونهم من المؤمنين ، وهذا ظاهر إذا جعلنا : (وَلا نُكَذِّبَ) معطوفا على «نردّ» أو حالا منه.
وأمّا إذا جعلنا (وَلا نُكَذِّبَ) مستأنفا ، فيجوز ذلك أيضا ، ولكن على سبيل الاعتراض ، ويحتمل أن يكون من تمام (وَلا نُكَذِّبَ) أي : لا يكون منّا تكذيب مع كوننا
__________________
(١) في أ : وبقوله.
(٢) في ب : مما.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٩.
(٤) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٦٣.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٠٦ ، الدر المصون ٣ / ٤٠.
(٦) سقط في ب.