الثاني : أن «أنّهم» بدل من الجملة قبله. قال الزجاج (١) : وهو بدل من الجملة والمعنى ألم يروا أن القرون التي أهلكناها أنهم لا يرجعون لأن عدم الرجوع والهلاك بمعنى. قال أبو حيان وليس بشيء لأنه ليس بدلا صناعيا وإنما فسر المعنى ولم يلحظ صناعة النحو (٢) قال شهاب الدين : بل هو بدل صناعي لأن الجملة في قوة المفسر إذ هي سادة مسد مفعولي «يروا» فإنها معلقة لها كما تقدم (٣).
الثالث : قال الزمخشري : ألم يروا ألم يعلموا وهو (٤) معلّق عن العمل في «كم» لأن «كم» لا يعمل فيها عامل قبلها سواه كانت للاستفهام (أو للخبر (٥) ، لأن أصلها الاستفهام) إلا أنّ معناها نافذ في الجملة كما نفذ في قولك : (ألم يروا (٦)) إن زيدا لمنطلق و «أن» لم يعمل في لفظه و (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) بدل من (كَمْ أَهْلَكْنا) على المعنى لا على اللفظ تقديره : ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم.
قال أبو حيان قوله «لأن كم (٧) لا يعمل فيها ما قبلها كانت للاستفهام أو للخبر» ليس على إطلاقه لأن إذا كان حرف جر أو اسما مضافا جاز أن يعمل فيها نحو : على كم جذع بيتك؟ وأين كم رئيس صحبت؟ كم فقير تصدّقت أرجو الثواب؟ وأين كم شهيد في سبيل الله أحسنت إليه. وقوله أو الخبرية (٨) الخبرية فيها لغة الفصيحة كما ذكر لا يتقدمها عامل إلا ما ذكرنا من الجار ، واللغة الأخرى حكاها الأخفش (٩) يقولون : ملكت كم غلام أي ملكت كثيرا من الغلمان فكما يجوز تقدم العامل على «كثيرا» (١٠) كذلك يجوز على «كم» لأنها بمعناها ، وقوله : لأنها (١١) أصلها الاستفهام والخبرية ليس أصلها الاستفهام بل كل واحدة أصل (١٢) ولكنهما لفظان مشتركان بين الاستفهام والخبر وقوله : لأن معناها نافذ في الجملة يعني معني «يروا» نافذ في الجملة لأنه جعلها معلّقة وشرح «يروا»
__________________
ـ أن «كم» معمولة لما قبلها من الفعل وقوله : «إن ذلك على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول : «ملكت كم عبيد» فيخرجها عن الصدر. خطأ عظيم إذ خرّج كلام الله على هذه اللغة. بتصرف من المغني ١٨٤ و ١٨٣.
(١) معاني الزجاج وإعرابه ٤ / ٢٨٥ وإعراب القرآن المنسوب له ٥٤٧ والبحر ٧ / ٣٣٣.
(٢) البحر ٧ / ٣٣٣.
(٣) الدر ٤ / ٥١٠.
(٤) في «ب» إذ هو.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (ب) وهو في الكشاف.
(٦) سقط من «ب». وقاله في الكشاف ٣ / ٣٢١.
(٧) من المناقشات التي ناقش فيها الإمام أبو حيان الزمخشري انظر الكشاف ٣ / ٣٢١ والبحر ٧ / ٣٣٣.
(٨) الأصح : أو للخبر كما يقتضيه السياق والحوار.
(٩) المغني ١٨٤ كما سبق.
(١٠) في البحر «كثير».
(١١) في «ب» لأنه.
(١٢) وفيها أصلها وهما يخالفان البحر.