أحدها : أن تكون موصولة بمعنى الذي مرادا بها الضّرّ أي نسي الشّرّ الذي يدعو إلى كشفه (١) أي ترك دعاءه كأنه (لم) يتضرع إلى ربه (٢).
الثاني : أنها بمعنى الذي مرادا (٣) الباري تعالى أي نسي الله الذي كان يتضرع إليه (٤). وهذا عند من يجيز وقوع «ما» على أولي العلم (٥) ، وقال ابن الخطيب : وما بمعنى «من» كقوله : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [الليل : ٣] (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٣] (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(٦) [النساء : ٣].
الثالث : أن تكون (٧) «ما» مصدرية أي نسي كونه داعيا (٨).
الرابع : أن تكون (٩) (ما) نافية وعلى هذا فالكلام تام على قوله : («نسي» (١٠)) ثم استأنف إخبارا بجملة منفية ، والتقدير : نسي ما كان فيه لم يكن دعاء هذا الكافر خالصا لله (تعالى) (١١). وقوله : (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل الضر على القول الأخير ، وأما على الأقوال قبله فالتقدير من قبل تحويل النّعمة.
قوله : (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) يعني الأوثان (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليضلّ» بفتح الياء أي ليفعل الضلال بنفسه ، والباقون بضمها (١٢) فمفعوله محذوف ، وله نظائر تقدمت ، واللام يجوز أن تكون للعلة ، وأن تكون لام العاقبة كقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(١٣).
ثم قال : قل يا محمد لهذا الكافر (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) في الدنيا أي إلى انقضاء أجلك ، وليس المراد منه الأمر بل المراد منه الزجر وأن يعرفه قلة تمتّعه في الدنيا ثم مصيره إلى النار ، قيل : نزلت في عتبة بن ربيعة ، وقال مقاتل : نزلت في حذيفة بن المغيرة المخزوميّ ، وقيل : عامّ في كل كافر.
قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) لما شرح الله تعالى صفات المشركين وتمسكهم بغير
__________________
(١) نقله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٨٩ والسمين في الدر ٤ / ٦٣٩ والرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ٢٤٩.
(٢) المرجع السابق وما بين القوسين سقط من ب.
(٣) في ب مراد.
(٤) المراجع السابقة وقال الزجاج في المعاني ٤ / ٣٤٦ بالقولين والثاني الفراء في المعاني ٢ / ٤١٥.
(٥) الزجاج والفراء في المرجعين السابقين.
(٦) وقد أجاز «ما» بمعنى «من» الزمخشري أيضا في الكشاف المرجع السابق ٣ / ٣٨٩ وانظر : الرازي ٢٦ / ٣٤٩.
(٧) في ب يكون.
(٨) قاله الفراء في المعاني ٢ / ٤١٥.
(٩) في ب يكون وانظر كل هذه الأقوال في الدر المصون ٤ / ٦٣٩.
(١٠) سقط من ب.
(١١) سقط كذلك من ب.
(١٢) الإتحاف ٣٧٥ والدر المصون ٤ / ٦٣٩ والنشر ٢ / ٣٦٢.
(١٣) قاله في البحر أبو حيان ٧ / ٤١٨ والسمين في الدر ٤ / ٦٣٩ والرازي ٢٦ / ٣٦٢.