الله أردفه بشرح أحوال المحقين (١). قرأ الحرميّان نافع وابن كثير بتخفيف الميم والباقون بتشديدها (٢) فأما الأولى ففيها وجهان :
أحدهما : أنها همزة الاستفهام دخلت على «من» بمعنى الذي ، والاستفهام للتقرير ، ومقابله محذوف تقديره : أمّن هو قانت كمن جعل لله أندادا؟ أو : أمّن هو قانت كغيره؟ أو التقدير : أهذا القانت خير أم الكافر المخاطب بقوله : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً)؟ ويدل عليه قوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٣) محذوف خبر المبتدأ وما يعادل المستفهم عنه. والتقدير أن الأوّلان أولى لقلة الحذف ومن حذف المعادل للدلالة قول الشاعر :
٤٢٩٤ ـ دعاني إليها القلب إنّي لأمرها |
|
سميع فما أدري أرشد طلابها (٤) |
يريد : أم غي (٥).
الثاني : أن تكون الهمزة للنداء (٦) و «من» منادى ويكون المنادى هو النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو المأمور بقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) كأنه قال : يا من هو قانت قل كيت وكيت كقول الآخر :
٤٢٩٥ ـ أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائرا |
|
..........(٧) |
__________________
(١) في ب المحققين ، وانظر : الرازي ٢٦ / ٦٨ و ٦٩.
(٢) وكذا هي قراءة حمزة. وانظر : السبعة ٥٦١ والإتحاف ٣٧٥ ومعاني الفراء ٢ / ٤١٦ حيث أشار إلى ذلك وانظر كذلك النشر ٢ / ٣٦٢.
(٣) وانظر : الكشاف ٣ / ٣٩٠ والبيان ٢ / ٣٢٢ والكشف ٢ / ٢٢٧ والدر المصون ٤ / ٦٣٩.
(٤) يروى : عصيت إليها ، وعصاني إليها وهو المشهور. وهو من الطويل لأبي ذؤيب الهذليّ. والشاهد : حذف المعادل للدلالة عليه ، والتقدير كما هو أعلى : أرشد طلابها أم غيّ ، وانظر : البحر ٧ / ٤١٨ والدر المصون ٤ / ٦٤٠ والأشموني ٣ / ١١٦ والهمع ٢ / ١٣٢ ومعاني الفراء ١ / ٢٣٠ ومعاني الزجاج ١ / ٤٧٠ وتأويل مشكل القرآن ١٦٦ ، والمغني ١٣ و ٤٣ و ٦٢٨ ديوان الهذليين ١ / ٧١.
(٥) انظر : المراجع السابقة.
(٦) قال بهذا الرأي ابن الأنباري أيضا في البيان ٣ / ٣٢٢ والفراء في معانيه ٢ / ٤١٦ قال يا من هو قانت وهو وجه حسن العرب تدعو بألف كما يدعون بيا فيقولون : يا زيد أقبل وأزيد أقبل. وقال به شهاب السّمين في الدر أيضا ٤ / ٦٤٠.
(٧) صدر بيت من الطويل مجهول القائل وعجزه :
.......... |
|
فقد عرضت أحناء حقّ فخاصم |
والأحناء جمع حنو ، وورقاء : أحد أحياء قيس القديمة ، والثائر : من يطلب ثأره والشاهد : استعمال الهمزة للنداء مع «من» في الآية كما استعمل الهمزة مع زيد هنا في البيت وقد ضعف هنا من المؤلف من جهة أن القرآن لم يناد إلا بياء. وانظر الكتاب ٣ / ١٨٣ وابن يعيش ٢ / ٤ واللسان «حنا» ١٠٣٣ ، والمقتصد ٧٧١.