حاج بيت الله ظلما ، فهل له من مخرج؟ فقال له أبو ذر : ويحك! أحي والدك؟ قال : لا ، قال : فأحدهما ، قال : لا ، قال : لو كان حيين أو أحدهما لرجوت ذلك لك ، وما أجد لك مخرجا إلّا في إحدى ثلاث ، قال : ما هن؟ قال : هل تستطيع أن تحييه كما قتلته؟ قال : لا والله! قال : فهل تستطيع أن لا تموت؟ قال : لا والله ما من الموت بد ، فما الثالثة؟ قال : هل تستطيع أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء؟ فقام الرجل وله صراخ ، فلقيه أبو هريرة فسأله فقال : ويحك حيّان والداك؟ قال : لا ، قال : لو كانا حيين أو أحدهما لرجوت لك ، ولكن اغز في سبيل الله وتعرّض للشهادة فعسى».
أقول : يستفاد من هذه القضية مقدار شأن الوالدين عنده تعالى ـ كما ذكره أبو ذر ـ وتشديد القتل بغير الحقّ ، ولا بد من حملها على عدم تحقّق التوبة مع شرائطها وأداء الديّة ، وإلّا فيسقط عنه الذنب إذا ندم وأدّى ما عليه من الحقوق ، كما تقدّم.
وفي المجمع في قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً). قال : «نزلت في مقيس بن صبابة الكناني وجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآله فأرسل معه قيس بن هلال الفهري ، وقال له : قل لبني النجار : إن علمتم قاتل هشام فادفعوه إلى أخيه ليقتصّ منه ، وإن لم تعلموا فادفعوا إليه ديته ، فبلّغ الفهري الرسالة فأعطوه الديّة ، فلما انصرف ومعه الفهري وسوس إليه الشيطان فقال : ما صنعت شيئا ، أخذت دية أخيك فيكون سبّة (عار) عليك ، اقتل الّذي معك لتكون نفس بنفس ، والديّة فضل ، فرماه بصخرة فقتله وركب بعيرا ورجع إلى مكّة كافرا ، وانشد يقول :
قتلت به فهرا وحمّلت عقله |
|
سراة بني النجار أرباب قارع |
فأدركت ثأري واضطجعت موسد |
|
وكنت إلى الأوثان أوّل راجع |