وفي الدرّ المنثور عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) قال : فانقطع الكلام ، وقوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً) ، فهو أوّل الآية يخبر عن المنافقين. قال : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) قليلا ، يعني بالقليل المؤمنين».
أقول : يستفاد منه أنّ في الآية الكريمة تقديما وتأخيرا ، وهو بعيد عن سياق الآية المباركة كما مرّ في التفسير. إلّا أن يراد منه المعنى ، أي : لو لا فضل الله عليكم ورحمته لأغواكم الشيطان إلّا قليلا ، كالّذين أخلصوا دينهم لله تعالى وتوجّهوا إليه سبحانه ، وهم الصفوة من الخلق كالأنبياء والمعصومين عليهمالسلام ، وهذا له وجه ، وتدلّ على ذلك آيات كثيرة كما يأتي التعرّض لها.
وفي تفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) قال : فضل الله رسوله ، ورحمته ولاية الأئمة».
وفيه أيضا عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليهالسلام في قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) قال : «الفضل رسول الله ، ورحمته أمير المؤمنين».
أقول : في مضمون ذلك روايات كثيرة ، وجميعها من باب ذكر المصداق الحقيقيّ ؛ لأنّ بهما تتحقّق العدالة الاجتماعيّة وتظهر آثارها ، وتتنعّم البشرية بنعم الدنيا ونعيم الآخرة وتطمئن نفوسها ، وأمّا أنّه صلىاللهعليهوآله فضل ؛ لأنّه واسطة في الفيض والمبلّغ لما فيه التهذيب والرقي ، فهو السبب للكمال. وأمّا عليّ عليهالسلام رحمته ، فلأنّه واسطة في الإفاضة وسبب الدوام والبقاء والنهج العمليّ للوصول إلى الكمال. وقد يطلق الرحمة على رسول الله صلىاللهعليهوآله الفضل على أمير المؤمنين عليهالسلام كما عن العبد الصالح عليهالسلام في رواية محمد بن الفضيل قال : «الرحمة رسول الله صلىاللهعليهوآله والفضل علي بن أبي طالب» ، والمراد من الرحمة فيها هي الرحمة الرحيميّة ، وقد سماّه الله تعالى في كتابه الكريم بالرحمة فقال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٧] ، وقد يطلق الفضل على القرآن أيضا.