الفاعل حين التفاته الى الفعل شيء فينصرف وطائفة اخرى منهم على انها موجبة اذ المفروض ان الفاعل شرع فى الفعل حين الالتفات فلو صرفه صارف فعن ادامة الفعل لا عن اصله ، واما الحكماء فبمرتاح عن هذا النزاع لانهم فسروا الإرادة بالشوق الاكيد المسمى بالاجماع البالغ حدا لا يصرفه صارف اختيارا فلو صرفه فعلى الجبر والمنع قهرا فهى عندهم موجبة دائما ، وهذا قريب من مذهب الطائفة الاخيرة من المعتزلة.
والحاصل ان إرادة الله موجبة لفعل نفسه اجماعا ولفعل غيره غير موجبة عند غير الاشاعرة لوقوع العصيان من العباد بالنسبة الى امر الله تعالى ونهيه واما عند الاشاعرة فموجبة لان العبد ليس فاعلا حقيقة بل الفاعل لفعل العبد هو الله تعالى ففى الحقيقة لم تتعلق إرادة الله بفعل غيره بل بفعل نفسه الواقع فى العبد ، واما إرادة العبد فغير موجبة اذا تعلقت بفعل غيره اجماعا واذا تعلقت بفعل نفسه فعلى الاختلاف الّذي ذكرنا.
اذا علمت هذا فتغاير اعتبارهما فى كلام المصنف اما ان يراد به تغاير اعتبار المصلحة او المفسدة بان تكونا تارة فى الفعل باعتبار صدوره من المعتقد بهما واخرى باعتبار صدوره من غيره على ما بينا ، واما ان يراد به تغاير اعتبار الايجاب للمراد وعدم الايجاب له بان تكون الإرادة موجبة باعتبار تعلقها بالفعل الصادر من نفس صاحب الإرادة ولا تكون موجبة باعتبار تعلقها بفعل غيره على ما فى الشرح ، وعلى هذا فظاهر المصنف والشارح رحمهما الله هاهنا ان الإرادة والكراهة موجبتان اذا تعلقتا بفعل صاحب الإرادة سواء كان الفاعل هو الله او العبد وغير موجبتين اذا تعلقتا بفعل غيره كذلك.
قول المصنف : وقد تتعلقان بذاتيهما ـ اى تتعلق الإرادة بالارادة كما يعلم الانسان بالمصلحة فى علمه بالمصلحة فى شيء وبالكراهة كما يعلم بالمصلحة فى علمه بالمفسدة فى شيء ، وتتعلق الكراهة بالكراهة كما يعلم بالمفسدة فى علمه بالمفسدة فى شيء وبالارادة كما يعلم بالمفسدة فى علمه بالمصلحة فى شيء.