اما واجب واما ممكن ، فهو ان كان واجبا فهو المطلوب ، وان كان ممكنا استلزم الواجب الوجود بدءا وبقاء لان الممكن لن يتحقق من دون الواجب الا على تصور الدور او التسلسل بان يفرض ممكنات بعضها يكون علة لبعض وبالعكس ، او يفرض سلسلة غير متناهية من الممكنات يكون كل سابق فى السلسلة علة للاحقه ، ولا تنتهى الى سابق لا يكون لاحقا ، وكلاهما اى تحقق الممكن على سبيل الدور او التسلسل باطل كتحققه بنفسه ، فالممكن لا يتحقق الا بالواجب وهو المطلوب.
اقول : هذا البرهان يشتمل على مقدمات ، لا بأس بالتكلم فيها تذكرة للافكار وتشحيذا للاذهان ، وقد مر اكثرها فى الجزء الاول.
الاولى ان ما بمشهدنا موجود ، وهذه ضرورية بديهية فى غاية البداهة ، لا حاجة الى التكلم فيها ، الا ان قوما من الناس فى قديم الزمان يقال لهم السوفسطائية ولعل فى الناس ما بقى منهم كانوا ينكرون هذه المقدمة لانكارهم كل شيء حتى المحسوسات والبديهيات ، وليس للعاقل ان يكلمهم او يكالمهم او يتكلم فيهم.
قال عمر بن محمد النسفى الاشعرى فى كتابه ( العقائد النسفية ) : قال اهل الحق حقائق الاشياء ثابتة والعلم بها متحقق خلافا للسوفسطائية ، والمصنف رحمهالله ذكر فى المقدمة الاولى من تلخيص المحصل انهم طوائف ثلاث.
الثانية ان الموجود اما واجب واما ممكن اذ قسمة ما يقع فى التصور وينسب الى الوجود حاصرة فى الثلاثة لانه اما له ضرورة الوجود أو لا ، والثانى اما له ضرورة العدم أو لا ، وما له ضرورة العدم لا يوجد فى الخارج ابدا ، فما هو الموجود فيه اما الّذي له ضرورة الوجود واما الّذي ليس له ضرورة من الضرورتين ، والاول هو الواجب ، والثانى هو الممكن.
الثالثة انه لا يمكن ان يوجد الممكن بنفسه ، ولا يترجح وجوده او عدمه بذاته بل يحتاج فى كل منهما الى امر خارج عن ذاته وهذه المقدمة هى المسألة الحادية والثلاثون من الفصل الاول من المقصد الاول.
الرابعة انه لا يمكن ان يبقى الممكن من دون علته ، فكما يحتاج فى بدء