القول الخامس لاهل العرفان واصحاب الحكمة المتعالية ، والكلام عندهم إنشاء الكلمات والكلمات هى الموجودات لانها معربة عن صانعها كما ان الكلمات اللفظية معربة عن ضمير لافظها والمتكلم من قام به الكلام قيام الموجود بالموجد.
ثم ان الاقوال الماضية غير ما قال الاشاعرة تدور حول الكلام والمتكلم بمعناهما العرفى ، وهذا انما هو بحسب الوضع والمواضعة فيكون الكلام على حد محدود لا يتعدى حقيقته عنه ، وذلك منحصر فى الصوت المتقاطع المكيف بكيفيات مخصوصة فيكون دلالة الكلام عرضية لانها باعتبار مواضعة بين الناس حيث جعلوا كل كلمة او كلام دالا على معنى ، ولو جعلوا مكانه شيئا آخر كالاشارة والاوضاع المتفننة بين الاعضاء والاجسام او غير ذلك لادى مؤداه الا انهم اختاروا اللفظ لانه ايسر واسهل من غيره لكونه لا يحتاج الى مئونة زائدة فى ادائه لضرورة التنفس ، والدلالة العرضية تزول بزوال ما هو بالعرض الّذي هو المواضعة العرفية بخلاف دلالة بعض الاشياء على بعض بما هى اشياء فانها دلالة ذاتية بوضع إلهى ولا تزول ، وهؤلاء حيث يكون نظرهم ممدودا الى الحقائق لا الى الاوضاع والاعتبارات والمواضعات قالوا : ان حقيقة الكلام نحو وجود دال على وجود فانّ وجود اللفظ كوجود الكتابة دال على الوجود فى الذهن وهو على الخارج وهو بعضه دال على بعض والكل على الصانع ، فاجزاء العالم برمته كلمات الله الدالات على منشئها المتكلم بكلامه الّذي هو انشائه اياها.
ثم ان هذا المذهب مأخوذ من كتاب الله تعالى وكلمات الوحى ، قال الله تعالى : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، اى انما شأنه وانشائه اذا اراد شيئا قوله وكلامه لذلك الشيء : كن فيكون ذلك الشيء ، فهو مقوله وكلمته الصادرة عنه ، فانشاؤه قوله وقوله كلامه وما يصدر عنه بكلامه الّذي هو انشاؤه كلمته ، وقال تعالى : ( يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ) ، وقال تعالى : ( ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) ، وقال عليهالسلام فى النهج فى الخطبة المائة والحادية والثمانين : يقول لما اراد كونه : كن فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وانما كلامه سبحانه فعل منه انشأه ، وفى تفسير القمى فى قوله تعالى : ( وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ) ، قال : الكلمات الائمة عليهمالسلام وفى تفسير العياشى