ثم اقول : ان شيئا من هذه الاقوال الستة ليس على الحق الصافى من تفسير الكلام لان الثانى والثالث والرابع ظاهرة الفساد والاول لا يشمل ما كان بغير ايجاد الصوت ككلام الله الملقى فى روع نبى او ولى او ملك وكلام الملك او الشيطان الملقى فى صدر الانسان ولا يشمل ما فى الكتب ولا ما تكلم به الحيوانات والاشجار والاحجار وغيرها بالاعجاز لانه لا يحصل بإرادة المتكلم وقدرته والقول الخامس لا ينطبق على معنى الكلام فى العرف العام ولا فى الشرع ولا فى عرف خاص من اصحاب العلوم بل هو اصطلاح عندهم فلا يحمل عليه ما ورد فى الكتاب والسنة ولا ما وقع فى المحاورات ولا يفهم احد من العرب وغيرها من قولنا : الله متكلم انه منشئ للاشياء ولا يكون صرف الدلالة مصححا لكون الدال كلاما واما قول امير المؤمنين عليهالسلام فلا يدل على ذلك اذ ليس معناه ان كل فعل صدر منه فهو كلام له كما هو مدعاهم بل معناه ان كلامه ليس من صفات ذاته بل فعل منه كسائر افعاله ، واطلاق الكلمة على الائمة والأنبياء عليهمالسلام لخصوصية سنذكرها ليست فى سائر الموجودات واما قوله تعالى : ( إِنَّما أَمْرُهُ ) الخ فهو تمثيل لسرعة انقياد الاشياء لارادته وامتناع تخلف شيء اراده عنها لا ان هنا قولا ولا انه تعالى بصدد ان انشاءه قول وكلام حقيقة ، واما قوله تعالى : ( ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) فليس فى الآية اشعار بان الموجودات كلماته ، بل تدل على ان لا نفاد لكلماته.
فالحق ان التكلم هو ظهور المكنون العلمى من الشيء ، والكلام ذلك المكنون العلمى باعتبار ظهوره سواء كان بالآلات والمحل المادى كالذى يقع فى الهواء او الشجر او غيرهما او لم يكن بذلك ، فيشمل ما يظهر من الله تعالى لملائكته ورسله وسائر عباده وخلقه على اى وجه كان وما يظهر من غيره من ذوى العقول وغيرهم كذلك ، ثم ان كان هناك مخاطب يراد تصوير ذلك المكنون العلمى له سمى التكلم بهذا الاعتبار خطابا وتكليما ، وان ثبت فى لوح او ورق او نفس او جبهة اسرافيل او غيرها من المجردات والماديات سمى ثبوته بالكتابة والّذي ثبت فيه بالكتاب ، واطلاق كتاب الله تعالى على امير المؤمنين عليهالسلام بهذا الاعتبار اذ ثبت فيه ما عند الله تعالى من المكنونات العلمية