العقل لا يمكنه ان ينتزع عن شيء مفهوما ما لم يجد فيه امرا يكون منشأ لانتزاعه ، فالاثنان اللذان ينتزع من صميم ذاتهما مفهوم واحد لا بدّ من ان يكونا متحدين فى تمام الماهية كالانسانين ، او فى بعض الماهية كالانسان والحمار او فى امر عرضى كالاجناس العالية ، فعلى الاول يكون كل منهما مركبا من النوع والاعراض الخارجية لان العرض المنتزع من الذات لا يكون مشخصا لكونه معنى واحدا كالذات ، وعلى الثانى مركبا من الجنس والفصل ، وعلى الثالث مركبا من العارض والمعروض ، فانتزاع الوجوب من الواجبين المفروض تباينهما بتمام الذات لا يمكن الا ان يكون فيهما امر واحد مشترك ينتزع منه مفهوم الوجوب
ثم لا يخفى ان هذا الجواب لا يفيد على القول بكون الواجب ماهية مجهولة الكنه كما عليه بعض المتكلمين لان الماهية من حيث هى ماهية لا ينتزع منها الوجود ولا الوجوب لكن الشبهة على هذا الفرض من اوّل الامر مختلة لان الماهية كيف يمكن ان تكون واجبة الوجود غير محتاجة فى الوجود الى غيرها ثم ينتزع منها مفهوم الوجوب كما هو المفروض فى بيان الشبهة ، فلا ملجأ لصاحب الشبهة ولا للقائل بان الواجب ماهية الا ان يعتنقا ويعترفا بما اكلا من فضلات ابليس لعنه الله ، والحاصل انا نسأل صاحب الشبهة انك ما تقول فى هوية الواجب بعد ان سلم انه غير مركب من الماهية والوجود أهي ماهية أم حقيقة الوجود ، فان كانت الاولى فلا يعقل انتزاع مفهوم الوجوب منه لان الوجوب من دون الوجود غير معقول ، وان كانت الثانية فالجواب ما قلنا ، وكذا لا يفيد هذا الجواب على القول بالاشتراك اللفظى فى الوجود او القول بالمعنوى مع كون الوجودات حقائق متباينة لان القولين مشتركان فى تباين الوجودات وحينئذ فالواجبان نوعان متباينان من الوجود وينتزع منهما الوجوب ولا يلزم تركيب ولكن يرد على القولين ما يرد على الشبهة.
ويمكن ان يتخلص اصل البرهان بوجه جامع بحيث يتضمن دفع الشبهة بان كل واجبين كائنين ما كانا يكون كل واحد منهما مركبا مما به الامتياز وما به الاشتراك اما ما به الامتياز فلقضية الاثنينية واما ما به الاشتراك ففى الشيئية التى لا بد لانتزاعها من