من دون حكم الشرع يحكم بالحسن او القبح بلحاظ الوجوه والاعتبارات ، والشارح العلامة رحمهالله على ان الحسن والقبح على احد الاخيرين حيث قال فى نهج الحق : قالت الامامية وتابعوهم من المعتزلة ان الحسن والقبح عقليان مستندان الى صفات قائمة بالافعال او وجوه واعتبارات تقع عليها ، انتهى ، وهذا احد الاقوال ، وفى المسألة اقوال اخرى ، ونقل عن الجبائى احد شيوخ الاعتزال انه قال : ان الحسن والقبح ليسا لذوات الافعال ولا لصفات قائمة بذاتها ، بل لوجوه واعتبارات فى جميع الافعال ، انتهى ، والحق عندى هذا القول اذ لم نجد فى الافعال ما يكون حسنا او قبيحا بذاته او بلازم ذاته ، وما مثل به من العدل والظلم ليس بمثبت له لان الظلم والعدل عنوانان طاريان على افعال مختلفة بعد اعتبار الحسن والقبح بلحاظ وقوع الفعل فى محله اللائق به او لا وقوعه فيه.
ثم ان حكم العقل بالحسن والقبح على ثلاثة اوجه كما قال الشارح فى نهج الحق : ذهب الامامية ومن تابعهم من المعتزلة الى ان من الافعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل كعلمنا بحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار فان كل عاقل لا يشك فى ذلك وليس جزمه بهذا الحكم بادون من الجزم بافتقار الممكن الى السبب وان الاشياء المساوية لشيء واحد متساوية ، ومنها ما هو معلوم بالاكتساب انه حسن او قبيح كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع ، ومنها ما يعجز العقل عن العلم بحسنه او قبحه فيكشف الشرع عنه كالعبادات ، انتهى ، والاشاعرة ينكرون كل ذلك ويقولون : لا حسن ولا قبح ولا جهة لهما فى فعل حتى يدركها العقل لا بالذات ولا بالاعتبارات الا باعتبار تجويز الشرع ومنعه او فعله تعالى وتركه ، فالحسن ما فعله او جوزه والقبيح ما تركه او منعه وان كان على اصلهم لا فعل الا فعله ، والعجب من الشيخ الاشعرى حيث نقل عنه الشهرستانى فى الملل والنحل انه قال فى هذا المقام : والواجبات كلها سمعية والعقل لا يوجب شيئا ولا يقتضي تحسينا ولا تقبيحا الى ان قال : وانبعاث الرسل من القضايا الجائزة لا الواجبة ولا المستحيلة ، ولكن بعد الانبعاث تاييدهم بالمعجزات وعصمتهم من الموبقات من جملة الواجبات اذ لا بد من طريق للمستمع يسلكه ليعرف به صدق