ومنا فرته فما وافق الغرض كان حسنا وما خالفه كان قبيحا وما ليس كذلك لم يكن حسنا ولا قبيحا ، وقد يعبر عنهما بالمصلحة والمفسدة ، فيقال : الحسن ما فيه المصلحة والقبيح ما فيه المفسدة وما خلا عنهما لا يكون شيئا منهما ، وذلك أيضا يدركه العقل كالمعنى الاول ، الثالث ما تعلق به مدحه تعالى وثوابه او ذمه وعقابه ، فما تعلق به الاول يسمى حسنا وما تعلق به الثانى يسمى قبيحا وما لا يتعلق به شيء منهما فهو خارج عنهما ، هذا فى افعال العباد ، وان اريد به ما يشمل افعال الله تعالى اكتفى بتعلق المدح والذم ، وهذا المعنى هو محل النزاع ، انتهى ، وبعد العرفان بما بينا من قبل يظهر مواقع النظر والايراد فى هذا الكلام وان هذا التفصيل لا يسمن ولا يغنى من جوع لان العلم والجهل مثلا وكذا سائر الصفات امور حادثة مستندة الى فاعل مختار وان كان هو الله تعالى ، واما المصلحة والمفسدة فلا يطلق عليهما الحسن والقبح ، نعم ما فيه المصلحة حسن وما فيه المفسدة قبيح كما وقع فى كلامه لانهما منشأ انتزاعهما كما قلنا ، فمن قال بالمصلحة والمفسدة فلا بد له ان يقول بالحسن والقبح اللذين يتفرع عليهما المدح والثواب والذم والعقاب للفاعل ، فان كان العقل مدركا لهما فمدرك لهما أيضا فحاكم عليهما بذم الفاعل وعقابه او مدحه وثوابه اذ ادراك منشأ الانتزاع يستلزم ادراك المنتزع ولكنهم لا يقولون بالمصلحة والمفسدة الواقعيتين ويسندون كل فعل من كل احد الى الله تعالى من دون غرض وغاية ، فذلك تمويه فى كلام بعضهم.
قول المصنف : بحسن الاحسان ـ يقال الاحسان لاتيان الفعل الحسن وهو قريب من معنى العدل وبهذا المعنى لا يحتاج الى التقييد ، ويقال بمعنى ايصال النفع الى الغير وحسنه يقيد بكونه فى المحل اللائق به.
قول الشارح : وتقريره انا نعلم الخ ـ إيضاح ذلك انه لو لم يكن الحسن والقبح عقليين بل كانا شرعيين فقط لما حكم بهما من لم يعترف بشريعة ، لكن التالى باطل لحكم البراهمة والملاحدة بل كل عاقل بحسن العدل والاحسان وقبح الظلم والإساءة بالضرورة ، واما الملازمة فظاهرة ، واعترض الخصم عليه بان جزم العقلاء بالحسن والقبح فى الامور المذكورة بالمعنى المتنازع فيه ممنوع ، بل بمعنى الملائمة