والمنافرة ، والجواب ان الجزم بهما يستلزم الحكم بالحسن والقبح على الفعل كما مر بيانه فلذلك يمدحون الفاعل ويذمونه : ان قلت : يمكن منع بطلان التالى بان لكل اجتماع شريعة ، قلت : ان الخصم يقول لا حسن ولا قبح الا بشريعة إلهية ، وهؤلاء ليست لهم ذلك.
اقول : ان الجماعات البشرية متفقون فى قبح مفهوم الظلم وحسن مفهوم العدل لا فى مصاديقهما ، فما يحكم جماعة بكونه عدلا او ظلما فربما يحكم جماعة اخرى بالعكس ، فحديث العدل والظلم ووجوب ترك هذا والاخذ بذاك بين الناس على اصنافهم سواء كانوا اهل شريعة أم لا انما هو بحسب مصالحهم التى يرونها لانفسهم فيحكمون بكون امر عدلا وبكون آخر ظلما ، فبناء حسن افعاله تعالى وقبحها على ما يحكم به جماعات الناس من العدل والظلم كما هو مسلك المعتزلة غير صحيح لان حكمهم ليس على حقيقة ثابتة بين الجميع ، بل اتفاقهم انما هو فى حسن العدل وقبح الظلم مفهوما ، مع انه لو كان حكمهم بذلك على حقيقة ثابتة بينهم كان بحسب مصالح نظام الاجتماع الانسانى لا بحسب مصلحة النظام الاعلى ، فلا يكون حكمهم بحسن العدل وقبح الظلم فيما بينهم ميزانا للحكم بان نظير ما يكون ظلما بينهم ظلم من الله تعالى فيحكم بقبحه ونظير ما يكون عدلا بينهم عدل من الله تعالى فيحكم بحسنه ، فان اهلاك الطفل الصغير مثلا من انسان ظلم واما من الله فليس بظلم ، وما ورد فى بعض الاخبار من عقم نساء قوم نوح اربعين عاما فهلكوا ولم يكن فيهم طفل حتى لا يلزم ظلم بالاطفال فان صح الخبر كان ذلك لحكمة علينا خفية ، وجواب الامام عليهالسلام : ما كان الله عز وجل ليهلك بعذابه من لا ذنب له لا ينافى ان يكون لعقم النساء حكمة اخرى.
قول الشارح : البراهمة والملاحدة ـ قال فى مجمع البحرين : يريدون بالملحدة الاسماعيلية الذين لا يعملون بالشرع مع غيبة الامام ، وبالبراهمة الذين لا يعملون بالشرع ولا يحسنون بعثة الأنبياء ، وهذان الفريقان يحكمان بالحسن والقبح العقليين
اقول : لا يبعد أيضا ان يكون تسمية الاسماعيلية بذلك لقولهم فى البارى تعالى : انه لا موجود ولا معدوم ولا عالم ولا جاهل ، ولا قادر ولا عاجز وكذا فى سائر الصفات