عناوين الافعال امور اعتبارية ليست واقعة فى الخارج حتى تقع تحت القدرة الا تبعا لذات الفعل ، وقال بعض آخر منهم وهو ابو اسحاق الأسفراييني ومن تبعه : ان للعبد قدرة ، ولكن فعله يقع بالقدرتين اى قدرته وقدرة الله تعالى ، وهذا الكلام منه مجمل ، يمكن حمله على مذهب الفلاسفة او العرفاء وسيأتيان ، وان اراد به ان كلا من القدرتين تامة تكفى لصدور الفعل فلازم قوله اجتماع العلتين التامتين على معلول واحد وقد ابطل ذلك فى محله مع ان فيه شائبة شرك ، وان اراد به ان كلا منهما ناقصة تؤثران معا فقائله على حد الشرك خارج عن الملة لاسناد النقص الى قدرته تعالى ، وعبارته التى نقل الفخر الرازى عنه فى الاربعين : ان قدرة العبد تؤثر بمعين ، ويمكن توجيه هذا الى القول الحق ، وعلى كل فاللازم على القول باستناد فعل العبد الى الله تعالى راسا والعقيدة بان فعله ليس تحت قدرته وارادته بطلان الثواب والعقاب والوعد والوعيد والامر والنهى وبطلان توجيه المدح الى فاعل الحسنات والذم الى فاعل السيئات وتكليف ما لا يطاق وكونه تعالى ظالما بتعذيب العاصين وكاذبا فى اسناد الافعال فى كتابه الى العباد وارادتهم وكونه تعالى مثيبا للمطيعين ومادحا لهم ومكرما اياهم من غير استحقاق اصلا وعابثا فى ارسال الرسل والأنبياء وانزال الوحى والكتاب وغير ذلك مما هو مذكور فى نهج الحق وغيره.
المذهب الرابع للفلاسفة ، وظاهر كلام الجوينى من الاشاعرة المنقول فى الملل والنحل اختيار هذا المذهب ، وهو ان فعل العبد تابع لقدرته وارادته وهما تابعان للاسباب المنتهية الى الله تعالى ، فقدرته وارادته تعالى متعلقتان بفعل العبد بواسطة الاسباب ، وحيث ان من اصولهم ان المسبب يترتب على السبب التام قهرا من دون التخلف فان جعلوا ذات العبد المتصفة بالاختيار ذاتا فى سلسلة الاسباب انطبق مذهبهم على الحق المختار ، واما ان جعلوها فى عزلة عن السلسلة كما هو ظاهر كلامهم فلا ، ويكون مذهبهم جبر الانسان فى صورة الاختيار بان ينسب الفعل الى علته القريبة اى إرادة العبد ويقطع النظر عن الاسباب السابقة فيحكم بانه مختار ، او ينسب الى جميع سلسلة الاسباب المنتهية الى الإرادة الازلية فيحكم بانه مجبور.