ونكاح الحليلة وكالتسبيحة الواحدة ، قلت : يريد بالمشق ما يستلزم جنسه المشقة ولا اعتبار بالاشخاص ، والتكليف من حيث جنسه مشق وان كان باعتبار اشخاصه قد يقع فيها ما ليس كذلك ، او نقول : ان هذه الافعال اذا لم يلاحظ فيها الطبيعة بل انما فعلت بملاحظة الامر تحققت المشقة بفعلها خصوصا اذا روعى فيها تحقق الاخلاص الواجب فى جميع الطاعات فان تحققه فيها فى غاية الصعوبة لكونها افعالا ملائمة للطبع ، واما استلذاذ اهل الله المقبلين على اوامره غاية الاقبال بخدمة معبودهم وكون ذلك لا ينافى طباعهم فطور وراء طور التكليف.
اقول : اخذ المشقة فى حد التكليف لكونها اصلا فى اللغة غير صحيح مع انك قد عرفت من كلام الشيخ الطوسى رحمهالله ان الاصل لا ينحصر فى ذلك ، بل يأتى بمعنى المحبة وظهور الاثر والايلاع بالشيء ، ومن الممكن ان يكون التكليف مأخوذا من الكلف بمعنى المحبة ، ويكون تكليف الشارع بالافعال تحبيبه إليها وترغيبه لها كما قال تعالى : ( وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ ) ، وهذا المعنى يقوى فى المندوب والمكروه اذ ليس فيهما الزام فعلا او تركا ، وعلى كل فاخذ كون الفعل المكلف به شاقا فى معنى التكليف ليس مما ينبغى خصوصا فى المطلوب تركه اذ ليس فى الترك مشقة ، والقول بان المطلوب فى الترك كف النفس كما وقع فى كلام العلامة رحمهالله فى التهذيب ليس بحق لان لازم ذلك عدم موافقة من لا يأتى بالمنهى لعدم الرغبة او الالتفات إليه او عدم العلم به المنهى وكونه عاصيا مخالفا ، وهذا مما على خلافه اجماع المسلمين كافة ، وتقييد التكليف بما فى الوسع المفسر بما دون مدى الطاقة والمجهود واستفراغ القدرة فى الآيات يدل على ان التكليف صادق من دون المشقة ، بل مقتضى ذلك ان لا تكليف فى الشرع الا بما لا مشقة فيه ، وكذا ادلة نفى الحرج والضرر والعسر ، فالحق ان هذا القيد مخل وان كان بعض ما كلف به الشارع شاقا على اكثر النفوس كالجهاد ، نعم نفس التكليف والالزام من الغير شاق على من لم يكن له محبة ورجاء صادق فى ذلك الغير كما قال تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ ) ، وقال تعالى : ( وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) لان النفس لكونها مختارة بالذات تحب التخلية واطلاق العنان