او معه ، والاول يستلزم محذور التنازع والفساد ، والثانى محال لان غير المعين مطلقا لا يقع منه شيء وغير المعين عند الناس لا يجوز العقل اتباعه فى قوانينه ، والثالث محال للزوم الترجيح بلا مرجح ولزوم التنازع أيضا ، فتعين الرابع ، والمرجح لا بد ان يكون مرجحا فى المقام بان يكون ذلك البعض من كمال القوى وقوة الكمالات بحيث يستحق الانقياد إليه والطاعة له فيما يأمر وينهى ويضع ويرفع.
ثم ان تعيين هذا البعض وان له هذا الاستحقاق ان كان من الناس عاد محذور التنازع مع عدم اطلاعهم على سرائر الاشخاص ، فلا بد ان يكون من الله تعالى ، وذلك انما يكون بمعجزات تدل على ان ذلك البعض بما يأتى به من الاحكام والقوانين من عند الله تعالى.
ان قلت : انا نرى شعوبا واقواما يعيّنون شخصا او اشخاصا لا من عند الله تعالى ويلتزمون طاعته ويقرون باستحقاقه لذلك بلا تنازع بينهم ، قلت : اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم شر الدواب واولئك هم الغافلون عن مدارج الكمالات الانسانية لان الانسان الملتفت الى مقامه ، الطالب لكماله ، المستكمل مدارج عرفانه ، الذائق حلاوة قرب الحق وانسه ، الشائق الى لقائه كيف يمكن ان يرضى باتباع من هو مثله فى الحاجة الى الاهتداء بهاد يعرف سلوك طريقة الانسانية والوصول الى المبدأ الحق الّذي يحكم به الفطرة ولقائه ، قل هل من شركائكم من يهدى الى الحق قل الله يهدى للحق أفمن يهدى الى الحق احق ان يتبع أم من لا يهدى الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون ، نعم من لا يلتفت الى مقام الانسانية لانغماره فى البهيمية يرضى بذلك طلبا لما له من اللذائذ الحيوانية ولو بالاوهام ، وبالرضاء لا يقع التنازع مع ان التنازع فيما هم فيه يقع بينهم كثيرا بل فى الاكثر ، ثم يحصل الهدوء والهدنة بالغلبة المخوّفة من بعضهم.
والحاصل ان حسن التكليف ليس بالنظر الى منافع هذه الدنيا فقط ، بل الى منافع الانسان وكمالاته من بدء ظهوره الى الابد بلا امد ، وذلك لا يتأتى الا بتعيين التكاليف وبيان الشرائع وإراءة الطريقة ممن له احاطة بشئون تكوين الانسان وسيره الى بلوغه بغايته ووصوله بآخرته وخصوصيات ذلك.