ورابعا ان ذلك لاهل الجنة ولا يثبت بذلك وحدة الموت لاهل النار ، فلعلهم يحيون ثانية ويعذبون فى القبر وهو مورد كلام الخصم ، وقوله تعالى : ( قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا ) فهل الى خروج من سبيل حكاية مقالة اهل النار ، لكن لا قائل فى المسألة بالفصل بين اهل الجنة واهل النار.
الثانى انا نرى من يصلب وبقى مصلوبا الى ان يذهب اجزاؤه ، ومن اكله السباع والطيور وتفرقت اجزاؤه فى بطونها وحواصلها ، ومن احرق بالنار فصار رمادا وذرى بالرياح ، ونعلم عدم احيائهم ومسائلتهم وعذابهم بالضرورة ، والقول بذلك مع هذا سفسطة ظاهرة.
والجواب أولا ان المدعى ليس عموم ذلك لكل احد ، بل من محض الايمان محضا ومن محض الكفر محضا ، وثانيا يمكن ان يكون ذلك بالبدن البرزخى ، وثالثا ان ذلك ممكن لهذا البدن وان كان فى الهواء كما ورد فى الحديث : انه سئل ابو عبد الله عليهالسلام عن المصلوب يصيبه عذاب القبر؟ فقال عليهالسلام : ان رب الارض هو رب الهواء ، فيوحى الله عز وجل الى الهواء فيضغطه ضغطة اشد من ضغطة القبر.
قول الشارح : فانه لا استبعاد فى ان يعجل الخ ـ مسألة عذاب القبر من جزئيات مسألة تعجيل العذاب قبل يوم القيامة فلذا تعرض لامكانه ليثبت الخاص فى ضمن العام.
قال المفيد فى اوائل المقالات : القول فى ثواب الدنيا وعقابها وتعجيل المجازاة فيها ، ان الله تعالى جل اسمه يثيب بعض خلقه على طاعتهم فى الدنيا ببعض مستحقهم من الثواب ، ولا يصح ان يوفيهم اجورهم فيها لما يجب من ادامة جزاء المطيعين ، وقد يعاقب بعض خلقه فى الدنيا على معاصيهم فيها ببعض مستحقهم على خلافهم له وبجميعه أيضا لانه ليس كل معصية له يستحق عليها عذابا دائما كما ذكرنا فى الطاعات ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ، وقال : فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا ، فوعدهم بضروب من الخيرات فى الدنيا