ويدلّ عليه أيضاً وجوه اخر :
منها : أنّ هذه الأشياء لا يثبت عليها الملكيّة لأحد كما نصّ عليه فيما سمعت من التذكرة ، فلا يجري عليها البيع وغيره من عقود المعاوضة لاشتراط الملكيّة في صحّتها ، أمّا الصغرى فيكفي في إحرازها الأصل لأنّ الملكيّة في الأملاك صفة حادثة ، والأصل عدم حدوثها في هذه الأشياء بشيء من أسبابها حتّى الحيازة.
لا يقال : إنّ الأصل بالنسبة إلى الحيازة منقطع بعموم قوله عليهالسلام : «لليد ما أخذت». لأنّ عامّ في مورده والمقام ليس من مورده لاعتبار قابليّة التملّك في مورده فهو عامّ في الأشياء القابلة لأن يحدث فيها الملكيّة ، ونحن نشكّ في عروض صفة الملكيّة لهذه الأشياء باعتبار الشكّ في قابليّتها للتملّك. فالأصل المذكور ممّا لا وارد عليه من جهة هذه الرواية إذ القابليّة لا تحرز بها ، على أنّه يمكن إثبات عدم القابليّة فيها بملاحظة العرف والعادة ـ أعني عادةً الناس وعامّة العقلاء ـ لجريانها بأنّهم لا يتملّكون هذه الأشياء لخسّتها وعدم منفعة فيها تكون مقصودة للعقلاء ولا يرتّبون عليها آثار الملكيّة أصلاً ، فتكون سيرة بينهم وليست بحادثة بل قديمة ثابتة من عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وما قبله وما بعده من أعصار الأئمّة عليهمالسلام وغيرها إلى يومنا ، فتكون كاشفة عن تقرير المعصومين عليهمالسلام الناس على معتقدهم وعملهم.
ومنها : أنّ هذه الأشياء لا تعدّ أموالاً في العرف والعادة ولا يعتبر لها قيمة عند العقلاء ، وما قد يتّفق نادراً من التقويم وأخذ القيمة أو بذلها فهو لا يوجب الماليّة لعدم اعتناء الشارع بها بل هو في الحقيقة ليس تقويماً بل قد يقصد به رفع اليد فلا تصلح للتعويض فلا تجري عليها عقود المعاوضة ولا غيرها ممّا ينوط انعقاده بماليّة المورد ، كما أشار إلى هذا الوجه في عبارة التذكرة كقوله : «ولا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها تعليلاً بأنّها مع ذلك لا تعدّ مالاً» (١).
ومنها : أنّ التكسّب بهذه الأشياء معاملة سفهيّة ، وهي خارجة من مقاصد العقلاء فلا يشملها عمومات الصحّة لاختصاصها بحكم التبادر بما يتداوله العقلاء.
__________________
(١) التذكرة ١٠ : ٣٥.