وقد استدلّ في الرياض بعد الاستناد إلى الإجماع بوجهين آخرين :
أحدهما : عموم أدلّة منع المعاملة مع السفيه.
ولا خفاء في ضعفه ، أمّا أوّلاً : فلأنّ المستفاد من الأدلّة المشار إليها فساد المعاملة مع السفيه ، نظراً إلى عدم نفوذ تصرّفاته الماليّة فتقع المعاملة من طرفه فاسدة ، فتفسد من الطرف الآخر لا منعها إن أراد به الحرمة.
وأمّا ثانياً : فلأنّ مورد هذه الأدلّة إنّما هو السفيه الملكي ، وهو أن تكون السفاهة حالة نفسانيّة له ولم يعتبر في موضوع المسألة كون طرف المعاملة سفيهاً بهذا المعنى ، غاية ما هنالك كون فعله من البيع أو الشراء أو بذل الماء بإزاء هذه الأشياء لخسّتها فعلاً سفهيّاً ، والأفعال السفهيّة لا يلزمها التحريم بل غاية ما فيها كونها من منافيات المروّة ، ولم يؤخذ فيها كونها من المعاصي الصغيرة وإن كانت قد تكون منها كالتطفيف بحبّة مثلاً وسرقة الحبّة كذلك ، ولا دليل على كون هذا الفعل السفهي الخاصّ معصية صغيرة إلّا حيث يندرج في عنوان التبذير.
وأضعف من هذا الوجه ثانيهما وهو ما محصّله «أنّ تصرّفات السفيه محرّمة فالمعاملة معه إعانة على الإثم فتحرم» (١).
وفيه : منع كلّ من الصغرى والكبرى ، أمّا الأوّل :
فأوّلاً : لمنع التحريم في تصرّفات السفيه ، بل أقصاها عدم نفوذها إذا كانت ماليّة.
وثانياً : ما مرّ من عدم كون البحث في السفيه الملكي بل في البالغ الكامل إذا صدر منه المعاملة على ما لا ينتفع به من الأشياء ، ولا يلزم من صدور الفعل السفهي من الكامل كونه سفيهاً ملكيّاً فلا يشمله ما دلّ على حرمة تصرّفات السفيه.
وأمّا الثاني : فلمنع صدق الإعانة على الإثم مع انتفاء قصدها.
وقد يستدلّ أيضاً بكون أكل المال المأخوذ في مقابل هذه الأشياء أكلاً للمال بالباطل فيحرم بنصّ الآية ، كما حكي عن القطيفي في إيضاح النافع (٢).
ويشكل ذلك : بإمكان المنع لأنّ كونه أكلاً للمال بالسبب الباطل نظير القمار
__________________
(١) الرياض ٨ : ١٤٧.
(٢) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١٤ : ١٣٣.