يستقيم على هذا التقدير.
وهذا محلّ منع ، لجواز كلّ من الوجهين الأوّلين لرجوع الشكّ إلى أنّه تعالى هل جعل هذا الاستعداد والتهيّؤ للمسوخ؟ والأصل عدمه ، فالشكّ في الجعل وهو أمر حادث يشكّ في حدوثه ، وليس المراد به الجعل التشريعي على معنى كون التهيّؤ والاستعداد المذكورين من قبيل الأحكام الوضعيّة ، وقد جعله الشارع في المسوخ حتّى يرد علينا عدم كون الأحكام الوضعيّة مجعولة ، بل هي مفاهيم انتزاعيّة تتبع الأحكام التكليفيّة. بل المراد به الجعل التكويني الراجع إلى لحاظ خلق الحيوان وإيجاده ، على معنى أنّه تعالى في هذا اللحاظ له ذلك التهيّؤ والاستعداد ، وهذا الجعل أمر حادث يشكّ في حدوثه والأصل عدمه. وهذا الأصل لكونه موضوعيّاً وارد على الأصل الّذي هو مستند الأخيرين بكلا تقريريه ، وعليه فالأصل إن اريد به ما هو من الاصول العمليّة عدم وقوع الذكاة على المسوخ هذا.
ولكنّ الإنصاف أنّ هاهنا أصلاً ثانويّاً وارداً على الأصل المذكور مستفاداً من صحيحة عبد الله بن بكير قال : «سأل زرارة أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة في الثعالب والفنك وغيره من الوبر؟ فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله ، ثمّ قال : يا زرارة هذا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذابح ، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ، ذكّاه الذابح أو لم يذكّه» (١) وفي نسخة مكان «الذابح» في الموضعين «الذبح» مصدراً.
ووجه الدلالة أنّ قوله : «ممّا قد نهيت» في تفسير غير ذلك عامّ في جميع ما نهي عن أكله ، وقوله : «ذكّاه الذابح» يعني به أنّ تذكية الذابح لكلّ ما نهي عنه لا تجدي نفعاً في صحّة الصلاة فيه ، وإنّما ذكر ذلك رفعاً لتوهّم السائل أنّها تبيح الصلاة ، وهذا التوهّم
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٣٤٥ / ١ ، ب ٢ لباس المصلّي ، الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١.