ثمّ إنّهم اشتروا بعد ذلك ، فقلت : فما ترى في ذلك؟ فقال : أشتريه أحبّ إليّ من أن أبيعه» (١).
ومعارضتهما للروايات المذكورة واضحة ، وهما مع وضوح دلالتهما على الجواز جامعان سنداً لشرائط الحجّيّة ، لكون الأوّل من الموثّق والثاني من الصحيح ، فلا يسوّغ طرحهما رأساً ، ولا يقبلان تأويلاً قريباً يساعد عليه فهم العرف ، بخلاف الروايات المانعة لقبولها الكراهة فتحمل عليها جمعاً. وفي قوله عليهالسلام : «أشتريه أحبّ إليّ من أن أبيعه» أيضاً دلالة عليها.
وكون الاشتراء أحبّ إليه عليهالسلام إمّا من جهة انتفاء الكراهة من الاشتراء واختصاصها بالبيع ، أو من جهة كون الكراهة في الاشتراء أخفّ ، والسرّ فيه أنّ تعريض المصحف بخطّه للبيع ومقابلته بحطام الدنيا وأخذ المال بإزائه ولو باعتبار كونه جزءاً من المبيع مع كونه كلام الله العزيز وكتابه المجيد المستحقّ لحسن الأدب معه والتعظيم له بل الّذي لا قيمة له في الحقيقة لعظم شأنه وعلوّ قدره ، ابتذال له وإساءة للأدب معه ، وهذا شيء يجيء من قبل البائع أو أنّه فيه أكثر وأظهر.
وفي الخبر الأوّل حيث قال : «ولكن هكذا كانوا يصنعون» دلالة على كون اشتراء المصحف بعد كثرة نسخه وشيوعها واقعاً على وجه الشيوع والاستمرار في زمان الوحي أيضاً ، فيستكشف من ذلك تقرير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. ومن ذلك يظهر بطلان دعوى اشتهار الحرمة بين الصحابة وبطلان التمسّك والاستناد إلى منعهم.
ولكن قد يمنع دلالة الخبرين على جواز اشتراء خطّ المصحف بل يدلّان على أنّ تحصيل المصحف في الصدر الأوّل كان بمباشرة كتابته. ثمّ قصرت الهمم فلم يباشروها بأنفسهم وحصّلوا المصاحف بأموالهم شراءً واستيجاراً ، ولا دلالة فيهما على كيفيّة الشراء وأنّ الشراء والمعاوضة كانا واقعين على ما يعمّ الخطّ أو على ما عداه من الأوراق والجلود وغيرها ، والروايات المانعة تنهض بياناً.
ويدفعه : أنّ البيع والشراء المضافين إلى المصحف ظاهران في التعلّق بالمجموع من حيث كون المصحف حقيقة في المجموع فيعمّان الخطّ أيضاً ، ولا إجمال فيهما جزماً
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ١٦٠ / ٧ ، ب ٣١ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٦٦ / ١٠٥٢.