كما لو اضيفا إلى الكتب ، بل المقصود بالأصالة من أجزاء هذا المبيع على ما هو المتعارف إنّما هو الخطّ لا غير ، وتداول مباشرة الكتابة في الصدر الأوّل إنّما هو لقلّة النسخ بل انحصارها في أوّل نزول الآية أو السورة في واحدة ، فكان حدوث بناء الاشتراء فيما بعد ذلك لأجل شيوع النسخ ووفورها المغني عن كلفة مباشرة الكتابة. وعلى هذا يحمل خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنّ امّ عبد الله بن الحرث أرادت أن تكتب مصحفاً واشترت ورقاً من عندها ، ودعت رجلاً فكتب لها على غير شرط ، فأعطته حين فرغ خمسين ديناراً وأنّه لم تبع المصاحف إلّا حديثاً» (١).
ويدلّ على الجواز أيضاً رواية عنبسة الورّاق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام فقلت : أنا رجل أبيع المصاحف فإن نهيتني لم أبعها ، فقال : ألست تشتري ورقاً وتكتب فيه؟ قلت : بلى واعالجها ، قال : لا بأس بها» (٢) فإنّه عليهالسلام لم يردع السائل حيث قال : «أنا رجل أبيع المصاحف» ومع هذا قال له (٣) بأس بها أي بالمصاحف باعتبار أنّه يبيعها.
وما يقال : في الإيراد عليها أيضاً من أنّها وإن كانت ظاهرة في الجواز إلّا أنّ ظهورها من حيث السكوت عن كيفيّة البيع في مقام الحاجة إلى البيان ، فلا تعارض ما تقدّم من الأخبار المتضمّنة للبيان.
ففيه : أنّ المصاحف مجاز في مجرّد الأوراق والجلود فظهورها فيما يعمّ الخطوط وضعي لا غير ، كما أنّ النهي فيما تقدّم من الأخبار مجاز في الكراهة ، فكون ما تقدّم بياناً للمجاز الأوّل ليس بأولى من كون هذه الرواية مع الخبرين الآخرين بياناً للمجاز الثاني ، بل الثاني أولى لشيوع استعمال النهي في الكراهة ، وندرة استعمال المصحف في مجرّد الجلد والورق ، ويعضده الأصل والإطلاق وظهور كلامهم في مسألة المنع من بيع المصحف من الكافر ووجوب إجباره على البيع من المسلم في جواز بيعه من المسلم ولا ريب في دخول الخطّ هنا هذا ، مع تحقّق سيرة المسلمين بإجراء عقود المعاوضة على ما يعمّ الخطّ ، مع أنّه لا كلام لأحد في جواز البيع والشراء في كتب التفاسير والفقه
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ١٦٠ / ١٠ ، ب ٣١ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٦٦ / ١٠٥٤.
(٢) الوسائل ١٧ : ١٥٩ / ٥ ، ب ٣١ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ١٢٢ / ٤.
(٣) كذا في الأصل.