وإن قصدا وقوع الآثار للمباح له ففيه إشكال بل الإشكال فيه قويّ ، وإن كان ربّما يتوهّم الجواز استناداً إلى عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» فإنّه عامّ في جميع أنحاء التصرّفات ومنها هذا التصرّف أعني إذن المالك للغير في إجراء هذه العقود في ماله ليرجع الآثار المقصودة منها إلى ذلك الغير.
يدفعه : أنّه عامّ في التصرّفات الجائزة تكليفاً ووضعاً ، ولذا لا يجوز للمالك جعل عنبه خمراً ولا يصحّ بيع امّ الولد ولا بيع المصحف من الكافر ، ولا بيع العبد المسلم من الكافر ، ولا بيع العنب أو الخشب ليعمل خمراً أو صنماً أو طبلاً لأجل العموم ، وفيما نحن فيه أيضاً يقال : إنّه لا يعقل انتقال ملك أحد العوضين من الثمن أو المبيع إلى غير مالك العوض الآخر ، ولا يعقل أيضاً أن يتقرّب الإنسان بمال الغير.
ومن ذلك يظهر منشأ الإشكال وحاصله الإشكال في أنّ ملك أحد العوضين في البيع بل مطلق عقود المعاوضة هل يتبع ملك العوض الآخر أو لا؟ وأنّ التقرّب في باب العتق والوقف والصدقة هل يتبع ملك العين أو لا؟
والظاهر بل الحقّ الّذي لا محيص عنه هو المنع فيهما :
أمّا في الأوّل : فلأصالة الفساد في المعاملات السليمة عمّا يوجب الخروج عنها ، والإجماع الظاهر بل المقطوع به من الأصحاب في أبواب العقود على أنّ البيع من عقود المعاوضة الّتي بمفهومها تقتضي لزوم عود الثمن إلى مالك المثمن وعود المثمن إلى مالك الثمن ، فالقاعدة مندرجة في مفهوم عقد المعاوضة فتكون من القضايا الّتي قياساتها معها على حدّ قولنا : «الكلّ أعظم من الجزء» مع كونها إجماعيّة. ويعضد ذلك الإجماع مع الأصل المذكور ما في كلام بعض مشايخنا «من أنّه صرّح المشهور بل قيل (١) لم يوجد خلاف في أنّه لو دفع إلى غيره مالاً وقال : اشتر به طعاماً لنفسك ، من غير قصد الإذن في اقتراض المال قبل الشراء أو اقتراض الطعام بعده أو استيفاء دَين له عليه لم يصحّ كما صرّح به في مواضع من القواعد (٢) وعلّله في بعضها بأنّه لا يعقل شراء شيء لنفسه بمال الغير» (٣) وما ذكره أيضاً بقوله : «من المعلوم أنّ بيع الإنسان مال
__________________
(١) الجواهر ٢٣ : ١٧٤.
(٢) القواعد ٢ : ٨٧ و ١٢٧.
(٣) المكاسب ٣ : ٨٥.