تجريده الملكيّة المجّانيّة وهي الهبة بغير عوض ، فلو اريد ممّا اتّصل به ذكر العوض الهبة المعوّضة أو قصد به المصالحة بنى صحّته على صحّة عقد بلفظ غيره مع النيّة ، ومرجعه إلى دعوى اختصاص اشتراكه معنىً بالبيع والهبة المجّانيّة ، ويتعيّن لأحدهما في العقد بذكر العوض وتجريده عنه ، فإذا ذكر معه العوض كان ذلك قرينة لإفهام البيعيّة ولا يحتمل حينئذٍ المصالحة ولا الهبة المعوّضة حتّى أنّه لو اريد به أحدهما احتاج إلى قرينة تفيده بل كان مجازاً ، وصحّته حينئذٍ مبنيّة على صحّة العقد بالمجاز ، ولا حاجة في تخصيصه بالبيع إلى اعتبار قرينة اخرى ولا إلى اعتبار ذكر البيع معه بعبارة قولنا «ملّكتك بيعاً بكذا».
وهذا في غاية المتانة ، ووجهه بالنسبة إلى المصالحة واضح ، وبالنسبة إلى الهبة المعوّضة فيه نوع خفاء فإنّ المصالحة مسالمة من الصلح بمعنى السلم ولذا كان تعديته إلى المفعول الثاني بكلمة المجاوزة ولا يتعدّى إليه بنفسه ، فمدلوله المطابقي المجاوزة عن مال مثلاً في مقابلة مال آخر ، ويلزمه الملكيّة أعني ملكيّة المال الأوّل للمتصالح وملكيّة المال الثاني الّذي يقال له مال المصالحة للمصالح فالتمليك مدلول التزامي له ، فلو اريد من لفظ «ملّكتك» معنى «صالحتك» صار مجازاً ووجب تعديته حينئذٍ بكلمة المجاوزة بأن يقال «ملّكتك عن هذا بكذا» مكان «صالحتك عن هذا بكذا» ويحتاج إفادته لإرادة هذا المعنى إلى قرينة مجاز. وقضيّة ذلك أن لا يحتمل مطلقه المصالحة فلا حاجة إلى أن يعتبر معه قرينة تخرجها.
وأمّا عدم احتماله الهبة المعوّضة فتوضيحه : أنّ مفهوم التمليك بحسب الوضع اللغوي جنس مشترك بين ماهيّتين نوعيّتين ، وهما نوع البيع وهو التمليك المعاوضي ونوع الهبة بلا عوض وهو التمليك المجّاني ، ولذا ذكرنا في تعريف البيع أنّه تمليك عين على وجه التعويض ، وقلنا إنّ اعتبار كونه على وجه التعويض يخرج به الهبة المعوّضة لظهور القيد في كونه من لوازم الماهيّة ، والعوض في الهبة المعوّضة من عوارض الشخص ، فهو بذكر العوض معه الظاهر في كونه لازماً للماهيّة ينصرف إلى البيع ، ولا يحتمل غيره ممّا يكون العوض من عوارض شخصه وهو الهبة المعوّضة ، لأنّ الماهيّة تتمّ بدون العوض فقولنا «ملّكتك داري بكذا» هو بعينه معنى البيع بناءً على