ما نقله من الجواب المتقدّم عن استاده.
والظاهر أنّ نظره في عدم صحّة لفظ «قبلت» في صورة التقديم إلى عدم تحقّق معناه المقتضي للمسبوقيّة فيكون لغواً واللفظ خال عن الفائدة. ويرد عليه : أنّه بناء منه على لحاظ معناه اللغوي ، وهو في كلام الفقهاء في باب العقود محلّ منع ، بل القبول المقابل للإيجاب يراد به الرضا بما أوجبه الموجب وإنشاؤه من المعنى المقصود للمتعاقدين ، ولا ريب أنّ الألفاظ الثمانية المتقدّمة للقبول كلّها في الدلالة على الرضا على حدّ سواء ، وإن كانت هذه الدلالة في بعضها أصرح منها في غيره كلفظ «رضيت» ونحوه «قبلت» فقضيّة الأصل المستفاد من عمومات الصحّة جواز التقديم مطلقاً ، إلّا أن يقوم في خصوص «قبلت» إجماع على المنع ، وهو غير ثابت حتّى ظنّاً. ونفي الخلاف على ما في كلام الجماعة مستراب فيه فلا يفيدنا شيئاً ، لقوّة احتمال استناده إلى لحاظ المعنى اللغوي وقد عرفت فساده.
وقد يفصّل في المسألة ويقال «بأنّ القبول في العقود على أقسام ، لأنّه إمّا أن يكون التزاماً بشيء من القابل كنقل مال عنه أو زوجيّة ، وإمّا أن لا يكون فيه سوى الرضا بالإيجاب.
والأوّل على قسمين ، لأنّ الالتزام الحاصل من القابل إمّا أن يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة ، أو متغايراً كالاشتراء ، والثاني أيضاً على قسمين ، لأنّه إمّا أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان والاتّهاب والاقتراض ، وإمّا أن لا يثبت فيه اعتبار أمر أزيد من الرضا بالإيجاب كالوكالة والعارية وشبههما ، وتقديم القبول على الإيجاب لا يكون إلّا في القسم الثاني من كلّ من القسمين» (١) انتهى. ومحصّله : عدم صحّة تقديم القبول في الرهن والقرض والهبة والصلح ، وصحّته في سائر العقود اللازمة والجائزة.
واستدلّ قبيل ذلك على عدم صحّته في الرهن «بأنّ اعتبار القبول فيه من جهة تحقّق عنوان المرتهن ، ولا يخفى أنّه لا يصدق الارتهان على قبول الشخص إلّا بعد تحقّق الرهن ، لأنّ الإيجاب إنشاء للفعل والقبول إنشاء للانفعال ، ثمّ قال : وكذا القول في الهبة والقرض ، فإنّه لا يحصل من إنشاء القبول فيها التزام بشيء ، وإنّما يحصل به الرضا
__________________
(١) المكاسب ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٦.