لا يقال : إنّ التلف وإن لم يكن تأدية إلّا أنّه يحتمل كونه كالتأدية رافعاً للثقل الّذي هو عبارة عن الضمان ، وهذا الاحتمال يوجب الشكّ في بقاء الضمان وارتفاعه. فغاية ما هنالك للمستدلّ أن يتمسّك لإثبات البقاء باستصحاب الحالة السابقة ، والاستصحاب مع الشكّ في قدح العارض كالاستصحاب مع الشكّ في عروض القادح حجّة. ويرد عليه بطلان الاستصحاب في خصوص المقام لعدم بقاء موضوع المستصحب بدليل عدم كون القضيّة المشكوكة باعتبار الموضوع بعين القضيّة المتيقّنة ، فإنّ موضوع القضيّة المتيقّنة هو عين المال الّذي أخذته اليد وموضوع القضيّة المشكوكة مثله أو قيمته وكلّ منهما غير المال المأخوذ فلا معنى للاستصحاب.
لأنّا نقول : أوّلاً لا حاجة في تتميم الاستدلال بالخبر على ضمان المثل أو القيمة إلى توسيط التمسّك بالاستصحاب ليخدشه نحو ما ذكر ، بل المستند في إثبات البقاء والاستمرار بعد التلف هو الظهور المستند إلى الإطلاق ، فإنّ قوله : «حتّى تؤدّيه» في الدلالة على استمرار الثقل والضمان إلى زمان حصول التأدية مطلق بالقياس إلى صورتي تلف العين وبقائها ، ولا ريب أنّ الظهور الناشئ من الإطلاق المذكور كافٍ في ثبوت بقاء الضمان واستمراره حال التلف وبعده إلى أن يحصل تأديته بردّ المثل أو القيمة الملازم لنفي رافعيّة التلف من غير حاجة إلى الاستصحاب.
وثانياً : على تقدير الحاجة إلى الاستصحاب نقول بصحّة التمسّك به بمنع عدم بقاء موضوع المستصحب ، فإنّ المال المكنّى عنه بالموصول في الوضع العرفي اسم للقدر الجامع بين العين وعوضه من المثل في المثلى والقيمة في القيمي ، كما يكشف عنه الصدق العرفي في قضيّة قول المالك «أعط مالي» عند مطالبة ماله المغصوب عن غاصبه في صورتي بقاء عينه في يد الغاصب وتلفه في يده ، فإنّ المال المطلوب صادق في كلتا الصورتين ، ومطالبته بإضافة المال إلى نفسه صحيحة فيهما ، مع أنّ المقصود المطويّ في الضمير في صورة البقاء مطالبة العين الموجودة وفي صورة التلف مطالبة عوضه الدائر بين المثل أو القيمة ، ولو استردّ العوض مثلاً أو قيمة منه في صورة التلف يقول : أخذت مالي ، ولا يصحّ تكذيبه ، وليس هذا كلّه إلّا من جهة كون المال في العرف والعادة عبارة عمّا يعمّ العين والعوض الواقعي. والأصل في ذلك ما قدّمنا توضيحه في