المالك أو تخيير الضامن؟.
فقد يقال : لا يبعد أن يقال : إنّ الأصل تخيير الضامن لأصالة براءة ذمّته عمّا زاد على ما يختاره ، إلّا أن يقوم الإجماع على خلافه ، فالأصل تخيير المالك لأصالة عدم براءة ذمّته بدفع ما لا يرضى به المالك.
ويخدشه : أنّ المقام ليس من الشكّ من التكليف ، ولا ممّا يؤول إليه من الشكّ في المكلّف به كما لو دار الأمر فيه بين الأقلّ والأكثر ، بل من الشكّ في المكلّف به الدائر بين المتباينين وهما الضمان بالمثل أو بالقيمة ، نظراً إلى أنّ المثل من حيث مثليّته في مقابل القيمة ، لا باعتبار قيمته ليئول مع القيمة المقابلة له إلى الأقلّ والأكثر ، فلا يجري أصل البراءة بل الأصل هو تخيير المالك لأصالة الاشتغال ، فإنّ يقين الشغل بأداء عوض العين التالفة يستدعي يقين البراءة ، ولا يحصل إلّا بأداء ما يرضى به المالك فيجب.
ويخدشه أيضاً : أنّ الضابط في جريان أصل الاشتغال وجود القدر المتيقن ممّا يحصل به الامتثال وهو غير موجود في محلّ المقال ، لدوران الأمر بين المحذورين ، وهما تعيين المثل بحيث لم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا للضامن الامتناع منه ، وتعيين القيمة بحيث لم تكن للمالك مطالبة المثل ولا للضامن الامتناع منها ، فلا يمكن البراءة اليقينيّة.
وقيل : يمكن أن يقال : إنّ القاعدة المستفادة من إطلاقات الضمان في المغصوبات والأمانات المفرّط فيها وغيرها هو الضمان بالمثل لأنّه أقرب إلى التالف من حيث الماليّة والصفات ، ثمّ بعده بقيمة التالف من النقدين وشبههما لأنّه أقرب إليه من حيث الماليّة ، ولأجل الاتّكال إلى هذا الظهور أهمل الشارع بيان الحكم للموارد المشتبهة مع عموم البلوى بها.
أقول : ويساعد عليها ظاهر خبر «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» فإنّ الثقل المستفاد من كلمة على ـ كما قرّرناه ـ مستصحب إلى أن يحصل التأدية بما هو أقرب إلى العين في الماليّة والصفات ، ومع تعذّره يعدل إلى ما هو أقرب إليه في الماليّة وهو القيمة. فقد تلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ ما أجمع على كونه مثليّاً يضمن بالمثل وتعني به ما يماثل التالف ويشابهه في الجنس والنوع والصنف والصفات الّتي لها مدخليّة في الرغبات ، سواء ساوى قيمته قيمة التالف أو نقص عنها أو زاد عليها.