إلى نحو النيل فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّه توجّه إلى بغداد ، فاتّبعته وظفرت به وفرغت ممّا بيني وبينه ، ورجعت إلى الكوفة ، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً ، فأخبرت صاحب البغل بعذري ، وأردت أن أتحلّل منه فيما صنعت وارضيه ، فبذلت له خمسة عشر درهماً فأبى أن يقبل ، فتراضينا بأبي حنيفة ، وأخبرته بالقصّة وأخبره الرجل ، فقال لي : ما صنعت بالبغلة؟ قلت : رجعته سليماً ، قال : نعم ، بعد خمسة عشر يوماً ، قال : فما تريد من الرجل؟ قال : اريد كراء بغلي فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوماً ، فقال : إنّي ما أرى لك حقّاً ، لأنّه اكتراه إلى قصر بني هبيرة فخالف فركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن فيه البغل وسقط الكراء ، فلمّا ردّ البغل سليماً وقبضته لم يلزمه الكراء ، قال : فخرجنا من عنده وأخذ صاحب البغل ليسترجع ، فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة وأعطيته شيئاً وتحلّلت منه ، وحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله عليهالسلام بما أفتى به أبو حنيفة ، فقال : في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتحبس الأرض بركاتها ، فقلت لأبي عبد الله عليهالسلام : فما ترى أنت جعلت فداك؟ قال : أرى له عليك مثل كري البغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل وذاهباً من النيل إلى بغداد ومثل كري البغل من بغداد إلى الكوفة وتوفّيه إيّاه ، قال : قلت : جعلت فداك ، فقد علفته بدراهم ، فلي عليه علفه؟ قال : لا ، لأنّك غاصب ، قال : أرأيت لو عطب البغل أو أنفق أليس كان يلزمني؟ قال : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته ، قلت : فإن أصاب البغل عقرٌ أو كسر أو دَبَرٌ؟ قال : عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه ، قلت : فمن يعرف ذلك؟ قال : أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو فيلزمك وإن ردّ عليك اليمين فحلفت على القيمة لزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك ...» (١). الخبر.
ودلالته على اعتبار قيمة يوم الغصب في موضعين :
أحدهما : قوله «نعم قيمة بغل يوم خالفته» فإنّ يوم المخالفة هو يوم الغصب وهو اليوم الّذي توجّه فيه إلى نحول النيل. ولا يرد على تنوين «بغل» أنّه يفيد الاكتفاء بقيمة أيّ بغل ولو كان أدون من مورد السؤال ، إذ الظاهر أنّ التنوين للعوض عوضاً عن
__________________
(١) الوسائل ١٩ : ١١٩ / ١ ، ب ١٧ أبواب الإجارة ، التهذيب ٧ : ٢١٥ / ٩٤٣.