وفي الرواية الثانية وجهان من الدلالة ، فتارةً باعتبار تقرير المعصوم حيث إنّ سؤال الراوي بـ «متى» يكشف عن أنّه كان معتقداً بأنّ في اليتيم زمانين : أحدهما ما لا يجوز فيه أمره ، والآخر ما يجوز فيه أمر [ه] فسأل عن تميّز الثاني عن الأوّل ، وكان في تعرّض الإمام عليهالسلام في الجواب لبيان الزمان الّذي جاز فيه أمره تقرير للسائل على معتقده. واخرى باعتبار قول المعصوم حيث قال : «حتّى يبلغ أشدّه» فإنّه بالمفهوم يدلّ على أنّه ما لم يبلغ أشدّه لم يجز أمره. وجواز الأمر عبارة عن مضيّ فعله وشغله ، على معنى نفوذ تصرّفاته وترتّب الآثار عليه. وشموله لعقوده وإيقاعاته إنّما هو بترك الاستفصال كما هو واضح. فدلالة الروايتين على المطلب حسبما بيّنّاه واضحة. ولو كان في سنديهما ضعف وقصور فينجبر بالعمل والشهرة العظيمة ، فلا ينبغي التكلّم في سنديهما.
نعم ربّما يناقش فيهما باعتبار الدلالة ، ويقال : بأنّ جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرّف لأنّ الجواز مرادف للمضيّ فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة ، كما يقال بيع الفضولي غير ماضٍ بل موقوف ، ويشهد له الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله : «إلّا أن يكون سفيهاً» فلا دلالة لها على سلب عبارته ، وأنّه إذا ساوم وليّه متاعاً وعيّن له قيمته وأمر الصبيّ بمجرّد إيقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلاً ، وكذا لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن وليّه (١) انتهى.
وفيه : منع الظهور المذكور ، وتعليله بمرادفة الجواز للمضيّ عليل ، ودلالة نفيه بقول مطلق على سلب عبارته واضحة ، لأنّه ظاهر في الجواز المطلق الغير المتوقّف على إجازة الغير ، كما أنّ المضيّ ظاهر في المضيّ المطلق الغير المتوقّف على إمضاء الغير فلا يصرف عنه إلى الجواز المعلّق المتوقّف على إجازة الغير إلّا لقرينة ، كما في مثال البيع الفضولي فإنّ حمل غير ماضٍ على المعلّق من المضيّ إنّما هو لقرينة بل موقوف ، ولولاه لم يكن له ظهور في المعلّق منه المتوقّف على الإمضاء ، فقضيّة إطلاق نفي جواز أمره في روايات الباب سلب عبارته وعدم ترتّب أثر عليها ، حتّى فيما ساوم وليّه المتاع وعيّن قيمته وأمره بمجرّد إيقاع العقد مع الطرف الآخر ، وكذلك في إيقاعه إيجاب
__________________
(١) المكاسب ٣ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨.