وأحمد ، وإسحاق ؛ أنه مقدّر بستة عشر فرسخا ، وهي أربعة برد كلّ فرسخ ثلاثة أميال
__________________
ـ المتواترة ، وهل يجوز تخصيص ذلك به أو لا؟ وكان هناك قوم ينكرون وجوب العمل بخبر الواحد ، مطلقا ـ كان ولا بدّ من التنبيه قبل حكاية المذاهب في هذا المقام ؛ على أن الخلاف هنا بين الذي يرون حجّيته على ما هو التحقيق ؛ إذ لا إشكال بين الأصوليين في عدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، على رأي من يقول : بأنه ليس بحجة.
وللأصوليين في جواز تخصيص الكتاب ، أو السنة المتواترة بأخبار الآحاد أقوال : القول الأول ، وهو المختار في كتب الحنفية : أنه لا يجوز تخصيص الكتاب أو السنة المتواترة بأخبار الآحاد ، ما لم يخصّا بقطعي دلالة وثبوتا.
وقد بنى الكمال وشارحه التيسير على أن محلّ الكلام عند الحنفية ـ وجليّ أن مراده المشترطين للمقارنة منهم ؛ لأن غير المشترطين لا يحتاجون إلى مثل هذا الغرض ـ ما لو فرض نقل الرّاوي أن الخبر قارن نزول الكتاب ؛ بأن يروي أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قرن بتلاوة الكتاب كلاما دالا على خروج بعض أفراد الكلام العام ، وأنه لم يعلم خلاف بينهم في عدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ؛ كما اختلفوا في قطعية العام.
وواضح أن التنبيه على الأوّل ؛ من أجل أن أكثر الحنفية يشترطون المقارنة في المخصص الأول ، فلا بدّ إذا من معرفة تلك المقارنة ـ وطريقها ما ذكر ـ ، ثم الكلام بعد ذلك في كونه مخصصا أو لا ؛ إذ لو لم يظهر ذلك ، لتوهم أن المنع من التخصيص بناء على فقدان الشرط ، وليس كذلك ، وعلى الثاني ؛ لدفع ما قد يتوهم أن من يرى ظنية العام من الحنفية ، يرى التخصيص بخبر الواحد ؛ كما هو مذهب غيرهم من الظنيين ، فنبه على أن لا خلاف بينهم في عدم الجواز.
هذا ما يؤخذ من كتب المتأخرين منهم ، وبالرجوع إلى ما قاله المتقدمون ، نرى أن أبا بكر الجصّاص يذكر في أصوله : أن تخصيص عموم القرآن والسنة الثابتة بخبر الواحد ، يجب أن يراعى فيه أنّ ما كان من ذاك ظاهر المعنى بين المراد ، وغير مفتقر إلى البيان ، ولم يثبت خصوصه بالاتفاق ؛ فإنه لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد ، وما كان من ظاهر القرآن أو السنة الثابتة ـ قد ثبت خصوصه باتفاق ؛ أو كان في اللفظ احتمال للمعاني ؛ أو اختلف السّلف في معناه ، وسوغوا الاختلاف فيه ، وترك الظاهر بالاجتهاد ؛ أو كان اللفظ في نفسه مجملا مفتقرا إلى البيان ؛ فإن خبر الواحد مقبول في تخصيصه والمراد به ، ثم قال : وهذا عندي مذهب أصحابنا ، وعليه مدار أصولهم ومسائلهم ، وقد قال عيسى بن أبان في «الحج الصغير» : لا يقبل خبر خاص في ردّ شيء من القرآن ظاهر المعنى ، حتى يجيء ذلك مجيئا ظاهرا يعرفه الناس ويعملون به ؛ مثل ما جاء أن : «لا وصية لوارث» ، و «لا تنكح المرأة على عمتها» ؛ فإنه إذا جاء هذا المجيء ، فهو مقبول ؛ لأن مثله لا يكون وهما ، وأمّا إذا ورد عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حديث خاصّ ، فكان ظاهر معناه ينفي السنن الثابتة ، وأحكام الإسلام ، أو كان ينفي سنة مجمعا عليها ، أو يخالف شيئا من ظاهر القرآن ، فكان الحديث له وجه ومعنى يحمل عليه لا يخالف ذلك ، حمل معناه على أحسن وجوهه ، وأشبهه بالسنن ، وأوفقه لظاهر القرآن ، فإن لم يكن له معنى يحتمل ذلك ، فهو شاذ ، قال عيسى : وكلّ آية من القرآن كانت خاصة في قول جماعة أهل العلم ، فالأخبار مقبولة بالنسبة لها ، ولأهل العلم النظر في ذلك بأحسن ما بينهم في ذلك من الأخبار ، وأشبهها بالسنن ؛ نحو قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ» هي خاصّة عندهم ؛ لأن الصغيرين اللذين لم يعقلا ـ لم يدخلا فيها في قول أحد من العلماء ، فلما أجمعوا على أنها خاصة ، قبل الخبر الخاص في المراد بها ، وقال في «الحج الكبير» : وكل أمر منصوص في القرآن ، فجاء خبر يرده أو يجعله خاصّا ، وهو عام ، بعد أن يكون ظاهر المعنى لا يحتمل التفسير والمعاني ، فإن ذلك الخبر إن لم يكن ظاهرا قد عرفه الناس وعملوا به ، حتى ـ