أن ما جاءكم به النبي صلىاللهعليهوسلم فهو عين كتاب الله. قال تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، وعند هذا يصحّ قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) والله أعلم.
وقال بعضهم : إن هذا عامّ أريد به الخصوص ، والمعنى ما فرّطنا في الكتاب من شيء يحتاج إليه المكلّفون.
__________________
ـ وسألت رجالا من أهل العلم فقالوا : على ابنك جلد مائة وتغريب عام ، فصار هذا الخبر يجمع نصّا ووفاقا ؛ ولأنه إجماع الصحابة. وروي أن أبا بكر رضي الله عنه جلد وغرب إلى «فدك».
وجلد عمر وغرب إلى «الشام» ، وجلد عثمان وغرب إلى «مصر».
وجلد علي وغرب من «الكوفة» إلى «البصرة» ، وليس لهم في الصحابة مخالف.
فإن قيل : فقد قال عمر حين غرب لا أنفي بعده أحدا.
وقال علي : كفى بالنفي فتنة ، فدلّ على أنهم غربوا تعزيرا يجوز لهم تركه ، ولم يكن حدّا محتوما.
قيل : أما قول عمر : «لا أنفي بعده أحدا» ، فإنما كان ذلك منه في شارب خمر نفاه ، فارتد ولحق بالروم ، والنفي في شرب الخمر تعزير يجوز تركه ، وهو في الزنا حد لا يجوز تركه.
وأما قول علي : «كفى بالنفي فتنة» فيعني : عذابا كما قال الله تعالى : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣] أي يعذبون ، ولأن التغريب عقوبة تقدرت على الزاني شرعا ، فوجب أن يكون حدا كالجلد ؛ ولأن الزنا معصية توجب حدا أعلى ؛ وهو الجلد ، فوجب أن يقترن بأدناها غيرهما ؛ كالقتل يوجب أعلى ؛ وهو القود ؛ وأدنى ، وهو الدية واقترن بها الكفارة.
فأما الجواب عن الآية فمن وجهين :
أحدهما : أنها تضمنت كل ما وجب بالقرآن ، والتغريب واجب بالسنّة دون القرآن.
والثاني : أن الزيادة على النص عندنا لا تكون نسخا ، ولو كانت نسخا ، لم تكن زيادة التغريب هاهنا نسخا لأمرين :
أحدهما : أننا قد اتفقنا عليها ، وإن اختلفنا في حكمها ، فجعلوها تعزيرا وجعلناها حدا.
والثاني : أنها تكون نسخا إذا تأخرت ، والتغريب هاهنا تفسير لقوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) [النساء : ١٥] فكان مقدّما عن قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢] فخرج عن حكم النسخ.
وأما الجواب عن تغريبها مع ذي المحرم فمن وجهين :
أحدهما : أنه لما لم يمنع ذلك من تغريبها تعزيرا ، لم يمنع من تغريبها حدا.
والثاني : أن المحرم شرط عندنا في مباح السفر دون واجبه ؛ كما قال صلىاللهعليهوسلم : «لا تصومنّ امرأة وزوجها حاضر ، إلّا بإذنه» محمولا على تطوع الصوم دون مفروضه ، وهذا واجب كالحج فلم يفتقر إلى ذي محرم.
وأما الجواب عن قياسهم على حد القذف ، وشرب الخمر ـ فمن وجهين :
أحدهما : أنه قياس يدفع النص ، فكان مطرحا.
والثاني : أنه لما لم يجز أن يغرب في غير الزنا تعزيرا وجاز في الزنا لم يمنع من وجوبه في الزنا حدا ، وإن لم يجب في غير الزنا.
وأما الجواب عن قياسهم على الثّيب فمن وجهين :
أحدهما : أن حد الثيب أغلظ العقوبات ، فسقط به ما دونه.
والثاني : أن الرجم فيه قد منع من حد يتعقبه ، والجلد لا يمنع والله أعلم.
ينظر : الحاوي بتحقيقنا ١٣ / ١٩٣ ـ ١٩٥.