يلحق «الكاف» ، ولو لحق «التاء» علامة الفروع لاجتمع علامتان للخطاب مما كان يلحق «التاء» ، وممّا كان يلحق «الكاف» ، فلما كان ذلك يؤدّي إلى ما لا نظير له رفض ، وأجري على ما عليه سائر كلامهم».
وقال الزّجّاج (١) بعد حكايته مذهب الفراء : «وهذا القول لم يقبله النحويون القدماء وهو خطأ ؛ لأنّ قولك : «أرأيت (٢) زيدا ما شأنه» لو تعدّت الرؤية إلى «الكاف» وإلى زيد لصار المعنى : أرأت نفسك زيدا ما شأنه وهذا محال» ثم ذكر مذهب البصريين.
وقال مكّي بن أبي طالب (٣) بعد حكايته مذهب الفرّاء : «وهذا محال ، لأنّ «التاء» هي «الكاف» في «أرأيتكم» ، فكان يجب أن تظهر علامة جمع «التاء» ، وكان يجب أن يكون فاعلان لفعل واحد وهما لشيء واحد ، ويجب أن يكون معنى قولك : «أرأيتك زيدا ما صنع» : أرأيت نفسك زيدا ما صنع ؛ لأن «الكاف» هو المخاطب ، وهذا محال في المعنى ، ومتناقض في الإعراب والمعنى ؛ لأنك تستفهم عن نفسه في صدر السّؤال ، ثم ترد السؤال إلى غيره في آخره وتخاطبه أولا ، ثم تأتي بغائب آخر ، أو لأنه يصير ثلاثة مفعولين ل «رأيت» ، وهذا كله لا يجوز. ولو قلت : «أرأيتك عالما بزيد» لكان كلاما صحيحا ، وقد تعدّى «رأى» إلى مفعولين».
وقال أبو البقاء (٤) بعد ما حكى مذهب البصريين : «والدّليل على ذلك أنها ـ أي «الكاف» ـ لو كانت اسما لكانت : إمّا مجرورة ـ وهو باطل إذ لا جارّ هنا ـ وإمّا مرفوعة ، وهو باطل أيضا لأمرين :
أحدهما : أن «الكاف» ليست من ضمائر الرفع.
والثاني : أنها لا رافع لها ؛ إذ ليست فاعلا ؛ لأن «التاء» فاعل ، ولا يكون لفعل واحد فاعلان ، وإمّا أن تكون منصوبة ، وذلك باطل لثلاثة أوجه :
أحدها : أن هذا الفعل يتعدّى إلى مفعولين كقولك : «أرأيت زيدا ما فعل» فلو جعلت «الكاف» مفعولا لكان ثالثا.
والثاني : أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى ، وليس المعنى على ذلك ، إذ ليس الغرض أرأيت نفسك ، بل أرأيت غيرك ، ولذلك قلت : أرأيتك زيدا ، وزيد غير المخاطب ، ولا هو بدل منه.
والثالث : أنه لو كان منصوبا على أنه مفعول لظهرت علامة التثنية والجمع والتّأنيث في «التاء» فكنت تقول : أرأيتماكما ، أرأيتموكم ، أرأيتكنّ». ثم ذكر مذهب الفرّاء ثم قال : «وفيما ذكرنا إبطال لمذهبه».
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٧٠.
(٢) في ب : أرأيتك.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٦٦.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٢.