حسابهم» هو الخبر ، و «عليك» هو الحال غير واضح ؛ لأن محطّ الفائدة إنما هو «عليك».
قوله : (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) كالذي قبله ، إلّا أنّ هنا يمتنع بعض ما كان جائزا هناك ، وذلك أن قوله : (مِنْ حِسابِكَ) لا يجوز أن ينتصب على الحال ؛ لأنه يلزم تقدّمه على عامله المعنوي ، وهو ممتنع ، أو ضعيف لا سيّما وقد تقدّمت هنا على العامل فيها ، وعلى صاحبها ، وقد تقدّم أنّ الحال إذا كانت ظرفا أو حرف جرّ كان تقديمها على العامل [المعنوي](١) أحسن منه إذا لم يكن كذلك ، فحينئذ لك أن تجعل قوله : (مِنْ حِسابِكَ) بيانا لا حالا ، ولا خبرا حتى تخرج من هذا المحذور ، وكون «من» هذه تبعيضيّة غير ظاهر ، وقد تقدّم خطابه ـ عليه الصّلاة والسلام ـ في الجملتين تشريفا له ، ولو جاءت الجملة الثّانية على نمط الأولى لكان التركيب «وما عليهم من حسابك من شيء» فتقدّم المجرور ب «على» كما قدّمه في الأولى ، لكنه عدل عن ذلك لما تقدّم.
وفي هاتين الجملتين ما يسميه أهل البديع : ردّ الأعجاز على الصدور (٢) ، كقولهم : «عادات السّادات سادات العادات» ومثله في المعنى قول الشاعر : [الطويل]
٢١٨٠ ـ وليس الّذي حلّلته بمحلّل |
|
وليس الّذي حرّمته بمحرّم (٣) |
وقال الزمخشري (٤) ـ بعد كلام قدّمه في معنى التفسير ـ : فإن قلت : أما كفى قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) حتّى ضمّ إليه : (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ)؟
قلت : قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة ، وقصد بها مؤدّى واحد ، وهو المعنى بقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤].
ولا يستقل بهذا المعنى إلّا الجملتان جميعا ، كأنه قيل : «لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه» قال أبو حيّان (٥) : «لا تؤاخذ أنت ... إلى آخره تركيب غير عربي ، لا يجوز عود الضمير هنا غائبا ولا مخاطبا ؛ لأنه إن [عاد](٦) غائبا فلم يتقدّم له اسم مفرد
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) وهو في النّثر أن يجعل أحد اللّفظين المكررين أو المتجانسين أو الملحقين بهما في أوّل الفقرة ، والآخر في آخرها ؛ كقوله تعالى : وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ، وقولهم : (الحيلة ترك الحيلة).
وقال تعالى : (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ).
وفي الشّعر : أن يكون أحدهما في عجز البيت ، والآخر في صدر المصراع الأوّل ، أو في حشوه ، أو عجزه ، أو في صدر الثاني.
ينظر : التبيان ص ٤٩٦ ، دقائق البحر ١١١ ، وحسن التوسل ٢١٤ ، والطراز ٢ / ٣٩٢ ، الإيضاح ٢ / ٣٩٠.
(٣) البيت للبحتري ينظر : ديوانه ٣ / ٢٠٠١ ، تحرير التحبير ٢ / ٢٦٦ ، البحر ٤ / ١٤١ ، الدر المصون ٣ / ٧٠.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٨.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٤٠.
(٦) سقط في ب.