غائب يعود عليه ، إنما تقدّم قوله : «هم» ولا يمكن العود عليه على اعتقاد الاستغناء بالمفرد عن الجمع ، لأنه يصير التّركيب بحساب صاحبهم ، وإن أعيد مخاطبا ، فلم يتقدّم مخاطب يعود عليه ، إنما تقدّم قوله : «لا تؤاخذ أنت» ولا يمكن العود إليه ، فإنه ضمير [مخاطب](١) ، فلا يعود عليه غائبا ولو أبرزته مخاطبا لم يصحّ التركيب أيضا ، فإصلاح التركيب أن يقال : «لا يؤاخذ كلّ واحد منك ، ولا منهم بحساب صاحبه ، أو لا تؤاخذ أنت بحسابهم ، ولا هم بحسابك ، أو لا تؤاخذ أنت ولا هم بحسابكم» ، فتغلّب الخطاب على الغيبة ، كما تقول : أنت وزيد تضربان».
قال شهاب الدين (٢) : والذي يظهر أن كلام الزمخشري صحيح ولكن فيه حذف ، وتقديره : لا يؤاخذ كل واحد : أنت ولا هم بحساب صاحبه ، وتكو ن «أنت ولا هم» بدلا من «كل واحد» ، والضمير في صاحبه عائد على [قوله :](٣) «كل واحد» ، ثم إنه وقع [في](٤) محذور آخر مما أصلح به كلام الزمخشري ، وذلك أنه قال : ولا تؤاخذ أنت ولا هم بحسابكم ، وهذا التركيب يحتمل أن يكون المراد ، بل الظّاهر نفي المؤاخذة بحساب كلّ واحد بالنسبة إلى نفسه هو ، لا أن كلّ واحد غير مؤاخذ بحساب غيره ، والمعنى الثّاني هو المقصود.
والضمائر الثلاثة ، أعني التي في قوله : (مِنْ حِسابِهِمْ) و «عليهم» و «فتطردهم» أيضا عودها على نوح واحد ، وهم الذين يدعون ربّهم ، وبه قال الطبري إلّا أنّه فسّر الحساب بالرّزق الدّنيوي.
وقال الزمخشري (٥) ، وابن عطية (٦) : «إنّ الضّميرين الأوّلين يعودان على المشركين ، والثالث يعود على الداعين».
قال أبو حيّان (٧) : «وقيل : الضمير في «حسابهم» ، و «عليهم» عائد على [المشركين](٨) [وتكون الجملتان اعتراضا بين النّهي وجوابه» ، وظاهر عبارته أن الجملتين لا تكونان اعتراضا إلا على اعتقاد كون الضميرين في «حسابهم» ، و «عليهم» عائدين على المشركين](٩).
وليس الأمر كذلك ، بل هما اعتراض بين النّهي ، وهو (وَلا تَطْرُدِ) وبين جوابه وهو «فتكون» ، وإن كانت الضمائر كلها للمؤمنين.
ويدلّ على ذلك أنه قال بعد ذلك في «فتكون» : وجوّز أن تكون جوابا للنهي في
__________________
(١) في ب : غائب.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٧٠.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : على.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٨.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٩٥.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٤٠.
(٨) سقط في أ.
(٩) سقط في أ.