الثاني : أنها في محلّ رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : فأمره أو شأنه أنه غفور رحيم.
الثالث : أنها تكرير للأولى كرّرت لمّا طال الكلام وعطفت عليها بالفاء ، وهذا منقول عن أبي جعفر النحاس ، وهذا وهم فاحش ؛ لأنه يلزم منه أحد محذورين : إمّا بقاء مبتدأ بلا خبر ، أو شرط بلا جواب.
وبيان ذلك أنّ «من» في قوله : «أنه من عمل» لا تخلو : إمّا أن تكون موصولة أو شرطية ، وعلى كلا التقديرين ، فهي في محلّ رفع بالابتداء ، فلو جعلنا «أن» الثانية معطوفة على الأولى لزم عدم خبر المبتدأ ، وجواب الشّرط ، وهو لا يجوز.
وقد ذكر هذا الاعتراض ، وأجاب عنه الشيخ شهاب الدين أبو شامة فقال : «ومنهم من جعل الثانية تكريرا للأولى لأجل طول الكلام على حدّ قوله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : ٣٥] ودخلت «الفاء» في «فأنه غفور» على حدّ دخولها في (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ) [آل عمران : ١٨٨] على قول من جعله تكريرا لقوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) [آل عمران : ١٨٨] إلّا أن هذا ليس مثل (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ) ؛ لأن هذه لا شرط فيها ، وهذه فيها شرط ، فيبقى بغير جواب.
فقيل : الجواب محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره : غفر لهم» انتهى.
وفيه بعد ، وسيأتي هذا الجواب أيضا في القراءة الثانية منقولا عن أبي البقاء ، وكان ينبغي أن يجيب به هنا ، لكنه لم يفعل ولم يظهر فرق في ذلك.
الرابع : أنها بدل من الأولى ، وهو قول الفرّاء (١) والزّجّاج (٢) وهذا مردود بشيئين :
أحدهما : أنّ البدل لا يدخل فيه حرف عطف ، وهذا مقترن بحرف العطف ، فامتنع أن يكون بدلا.
فإن قيل : نجعل «الفاء» زائدة ، فالجواب أن زيادتها غير زائدة ، وهو شيء قال به الأخفش(٣).
وعلى تقدير التّسليم فلا يجوز ذلك من وجه آخر ، وهو خلوّ المبتدأ ، أو الشرط عن خبر أو جواب.
والثاني من الشيئين : خلوّ المبتدأ ، أو الشرط عن الخبر ، أو الجواب كما تقدّم تقريره ، فإن قيل : نجعل الجواب محذوفا ـ كما تقدّم نقله عن أبي شامة ـ قيل : هذا بعيد عن الفهم.
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٣٦.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٧٨.
(٣) ينظر : معاني القرآن ٣٤ ، ١٢٤.