ومن قرأ بالتّاء من فوق ، فكذلك ولكن على لغة التأنيث ، ومن قرأ بالتاء من فوق ، ونصب «السبيل» فإنه [أسند الفعل إلى المخاطب ، ونصب «السبيل» على](١) المفعولية وذلك على تعديته أي : ولتستبين أنت سبيل المجرمين ، فالتاء في «تستبين» مختلفة المعنى ، فإنها في إحدى القراءتين للخطاب ، وفي الأخرى للتأنيث وهي في كلا الحالين للمضارعة ، و «تستبين» منصوب بإضمار «أن» بعد لام «كي» ، وفيما يتعلق به هذه اللام وجهان :
أحدهما : أنها معطوفة على علّة محذوفة ، وتلك العلّة معمولة لقوله : «نفصّل» والمعنى : وكذلك نفصّل الآيات لتستبين لكم ولتستبين.
والثاني : أنها متعلّقة بمحذوف مقدّر بعدها ، أي : ولتستبين سبيل المجرمين فصّلناها ذلك التّفصيل ، وفي الكلام حذف معطوف على رأي ، أي : وسبيل المؤمنين كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١].
وقيل : لا يحتاج إلى ذلك لأن المقام إنما يقتضي ذكر المجرمين فقط ؛ إذ هم الذين أثاروا ما تقدم ذكره وقيل : لأن الضّدين إذا كانا بحيث لا يحصل بينما واسطة ، فمتى بانت خاصيّة أحد القسمين بانت خاصيّة القسم الآخر ، والحق والباطل لا واسطة بينهما ، فمتى استبانت طريقة المجرمين ، فقد استبانت طريقة المحقّقين أيضا لا محالة.
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) «أن أعبد» في محل «أن» الخلاف المشهور ، إذ هي على حذف حرف ، تقديره : نهيت عن أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل : لا أتّبع أهواءكم في عبادة الأوثان ، وطرد الفقراء.
قول ه «قد ضللت إذن» «إذن» حرف جواب وجزاء ، ولا عمل لها هنا لعدم فعل تعمل فيه ، والمعنى : «إن اتبعت أهواءكم ضللت وما اهتديت» فهي في قوّة شرط وجزاء.
وقرأ (٢) الجمهور «ضللت» بفتح «اللام» الأولى.
وقرأ (٣) أبو عبد الرحمن ، ويحيى ، وطلحة : بكسرها وقد تقدّم أنها لغة.
وقل صاحب «التحرير» عن يحيى ، وابن أبي ليلى أنهما قرءا هنا وفي «ألم السجدة» : (أَ(٤) إِذا ضَلَلْنا) [السجدة : ١٠] ، بصاد غير معجمة يقال : صل اللّحم أي : أنتن ، وهذا له بعض مناسبة في آية «السجدة» ، وأما هنا فمعناه بعيد أو ممتنع.
وروى العباس عن ابن مجاهد (٤) في «الشواذ» له : (ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) ، أي : دفنّا في الصّلّة ، وهي [الأرض] الصّلبة.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٧٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٤٥.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٧٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٤٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٧٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٤٥.