فأما ما يفتح به فهو «المفتاح» ، وجمعه «مفاتيح» ، وقد قيل : «مفتح» أيضا انتهى يريد جمع «مفتح» أي : بفتح الميم.
وقد قيل : مفتح ، يعني أنها لغة قليلة في الآلة ، والكثير فيها المد ، وكان ينبغي أن يوضح عبارته فإنها موهمة ، ولذلك شرحناها.
فصل
روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلّا الله. لا يعلم ما تفيض الأرحام أحد إلّا الله ، ولا يعلم ما في غد إلّا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلّا الله ، ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلّا الله ، ولا يعلم متى تقوم السّاعة إلّا الله» (١).
وقال الضحّاك ، ومقاتل : «مفاتح الغيب» : خزائن الله ، وعلم نزول العذاب (٢).
وقال عطاء : ما غاب عنكم من الثواب والعقاب (٣).
وقيل : انقضاء الآجال وقيل : أحوال العباد من السّعادة والشّقاوة ، وخواتيم أعمالهم.
وقيل : إنه ما لم يكن بعد أنه يكون أم لا يكون وما يكون كيف يكون ، وما لا يكون أن لو كان كيف يكون.
وقال ابن مسعود : أوتي نبيكم كلّ شيء إلّا مفاتح الغيب (٤).
[نقل القرطبي (٥) عن ابن عبد البر قال في كتاب «الكافي» (٦) : من المكاسب
__________________
(١) أخرجه البخاري من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيح ٨ / ٢٩١ كتاب التفسير (٦٥) باب : وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ [الأنعام : ٥٩].
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٤) عن الضحاك.
(٣) انظر المصدر السابق.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢١٠) عن ابن مسعود وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٨) وزاد نسبته لابن مردويه.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٤.
(٦) قال فيه أما بعد : فإن بعض إخواننا من أهل الطلب ، والعناية ، والرغبة في الزيادة من التعلم سألني أن أجمع له كتابا مختصرا في الفقه ، يجمع المسائل التي هي أصول وأمهات لما يبنى عليها من الفروع والبينات في فوائد الأحكام ، ومعرفة الحلال والحرام ، يكون جامعا مهذّبا ، وكافيا مقربا ، ومختصرا مبوبا يستذكر به عند الاشتغال ، وما يدرك الانسان من الملال ، ويكفي عن المؤلفات الطوال ، ويقوم مقام المذاكرة عند عدم المدارسة ، فرأيت أن أجيبه إلى ذلك ؛ لما رجوت فيه من عون العالم المقتصر ، ونفع الطالب المسترشد ؛ التماسا لثواب الله عزوجل ، في تقريبه على من أراده ، واعتمدت فيه على علم أهل المدينة ، وسلكت فيه مسلك مذهب الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رحمهالله. وانظر القول فيه وعبارته : أجمع العلماء من السلف والخلف أن الربا الذي نزل القرآن بتحريمه : هو أن يأخذ ـ