المجمع على تحريمها الرّبا ، ومهور البغايا والسّحت والرشا وأخذ الأجرة على النياحة وأخذ الأجرة على الغناء وعلى الكهانة وادّعاء علم الغيب ، وأخبار السماء وعلى الزّمر واللّعب والباطل كله](١).
قوله (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) في محلّ نصب على الحال من «مفاتح» والعامل فيها الاستقرار الذي تضمّنه حرف الجر لوقوعه خبرا.
وقال أبو البقاء (٢) : نفس الظّرف إن رفعت به «مفاتح» ، أي : إن رفعته به فاعلا ، وذلك على رأي الأخفش ، وتضمّنه الاستقرار لا بد منه على كل قول ، فلا فرق بين أن يرفع به الفاعل ، أو يجعله خبرا.
قوله : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) قال مجاهد : البر والبحر : القرى والأمصار لا يحدث فيها شيء إلّا يعلمه.
وقيل : هو البر والبحر المعروف.
قالت الحكماء في تفسير هذه الآية : ثبت أن العلم بالعلّة علة للعلم بالمعلول وأن العلم بالمعلول لا يكون علّة للعلم بالعلّة.
وإذا ثبت هذا فنقول : إن الموجود إما أن يكون واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته ، والواجب لذاته ليس إلّا الله تعالى ، وكل ما سواه فهو ممكن لذاته ، والممكن لذاته لا يوجد إلا بتأثير الواجب لذاته ، فكلّ ما سوى الحق سبحانه ، فهو موجود بإيجاده وتكوينه.
وإذا ثبت ذلك ، فنقول : علمه بذاته يوجب علمه بالأثر الأوّل الصّادر منه ، ثم علمه بذلك الأثر الأول يوجب علمه بالأثر الثاني ؛ لأن الأثر الأول علّة قريبة في الأثر الثاني ، وقد ذكرنا أن العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول فبدأ أوّلا بعلم الغيب ، وهو علمه بذاته المخصوصة ، ثم يحصل له من علمه بذاته علمه بالآثار الصّادرة عنه على ترتيبها المعتبر ، ولما كان علمه بذاته لم يحصل إلا لذاته لا جرم صحّ أن يقال : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) ثم إن القضايا العقليّة المحضة يصعب تحصيل العلم بها على سبيل التمام والكمال إلّا للعقلاء الكاملين الذين ألفوا استحضار المعقولات ، ومثل هذا الإنسان يكون كالنّادر.
وقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) قضيّة عقليّة محضة والإنسان الذي يقوى عقله على الإحاطة بمعنى هذه القضية نادر جدا ، والقرآن إنما أنزل لينتفع به جميع
__________________
ـ صاحب الدين لتأخير دينه بعد حلوله عوضا عينا أو عرضا ، وهو معنى قول العرب : إما أن تقضي وإما أن تربي. ينظر : الكافي ٩ ، ٣٠٢.
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٥.