هي الأولى واستدلّ سيبويه على ذلك بأن نون الرفع قد عهد حذفها دون ملاقاة مثل رفعا ؛ وأنشد : [الطويل]
٢٢٢٠ ـ فإن يك قوم سرّهم ما صنعتم |
|
ستحتلبوها لاقحا غير باهل (١) |
أي : فستحتلبونها ، لا يقال : إن النون قد حذفت جزما في جواب الشرط ؛ لأن الفاء هنا واجبة الدخول لعدم صلاحية الجملة الجزائية شرطا ، وإذا تقرر وجوب الفاء ، وإنما حذفت ضرورة ثبت أن نون الرفع كان من حقها الثبوت ، إلا أنها حذفت ضرورة ، وأنشدوا أيضا قوله : [الرجز]
٢٢٢١ ـ أبيت أسري وتبيتي تدلكي |
|
وجهك بالعنبر والمسك الذّكي (٢) |
أي : تبيتين وتدلكين.
وفي الحديث : «والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا» ف «لا» الدّاخلة على «تدخلوا» و «تؤمنوا» نافية لا ناهية لفساد المعنى عليه ، وإذا ثبت حذفها دون ملاقاة مثل رفعا فلأن تحذف مع ملاقاة مثل استثقالا بطريق الأولى ، وأيضا فإن النون نائبة عن الضمة ، والضمة قد عهد حذفها في فصيح الكلام ؛ كقراءة أبي عمرو (يَنْصُرْكُمُ) [آل عمران : ١٦٠] و (يُشْعِرُكُمْ) [الأنعام : ١٠٩] و (يَأْمُرُكُمْ) [البقرة : ٦٧] وبابه بسكون آخر الفعل ، وقول الشاعر : [السريع]
٢٢٢٢ ـ فاليوم أشرب غير مستحقب |
|
إثما من الله ولا واغل (٣) |
وإذا ثبت حذف الأصل ، فليثبت حذف الفرع لئلا يلزم تفضيل فرع على أصله ، وأيضا فإنّ ادّعاء حذف نوع الرفع لا يحوج إلى حذف آخر ، وحذف نون الوقاية قد يحوج إلى ذلك ، وبيانه بأنه إذا دخل ناصب أو جازم على أحد هذه الأمثلة ، فلو كان المحذوف نون الوقاية لكان ينبغي أن تحذف هذه النون ، وهي تسقط للناصب والجازم ، بخلاف ادّعاء حذف نون الرفع ، فإنه لا يحوج إلى ذلك ؛ لأنه لا عمل له في الّتي للوقاية.
ولقائل أن يقول : لا يلزم من جواز حذف الأصل حذف الفرع ؛ لأن في الأصل قوة تقتضي جواز حذفه ، بخلاف نون الوقاية ، ودخول الجازم والناصب لم نجد له شيئا يحذفه ؛ لأن النون حذفت لعارض آخر.
واستدلّوا لسيبويه بأن نون الوقاية مكسورة ، فبقاؤها على حالها لا يلزم منه تغيير ، بخلاف ما لو ادّعينا حذفها ، فإنّا يلزمنا تغيير نون الرفع من فتح إلى كسر ، وتعليل العمل أولى ، واستدلوا أيضا بأنها قد حذفت مع مثلها ، وإن لم تكن نون وقاية ؛ كقوله : [البسيط]
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.