وأما القراءة بتاء الخطاب ففيها مناسبة لقوله : (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ) ورجّحها مكي وجماعة كذلك قال مكي : «وذلك حسن في المشاكلة والمطابقة ، واتّصال بعض الكلام ببعض ، وهو الاختيار لذلك ، ولأن أكثر القراء عليه».
قال أبو حيّان (١) : «ومن قال : إن المنكرين العرب ، أو كفار قريش لم يكن جعل الخطاب لهم ، بل يكون قد اعترض بني إسرائيل فقال خلال السّؤال والجواب : تجعلونه قراطيس [يبدونها](٢) ، ومثل هذا يبعد وقوعه ؛ لأن فيه تفكيكا للنّظم ، حيث جعل أول الكلام خطابا لكفار قريش ، وآخره خطابا لليهود».
قال : «وقد أجيب بالجميع لما اشتركوا في إنكار نبوّة رسالة رسول صلىاللهعليهوسلم جاء بعض الكلام خطابا للعرب وبعضه خطابا لبني إسرائيل».
قوله : «تجعلونه قراطيس» : يجوز أن تكون «جعل» بمعنى «صيّر» وأن تكون بمعنى «ألقى» أي : يضعونه في كاغد.
وهذه الجملة في محلّ نصب على الحال ، إما من «الكتاب» وإما من «الهاء» في «به» كما تقدم في «نورا».
قوله : «قراطيس» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على حذف حرف الجر ، أي : في قراطيس وورق ، فهو شبيه بالظّرف المبهم ، فلذلك تعدّى إليه الفعل بنفسه.
والثاني : أنه على حذف مضاف ، أي : يجعلونه ذا قراطيس.
والثالث : أنهم نزّلوه منزلة القراطيس ، وقد تقدم تفسير القراطيس. والجملة من قوله : «تبدونها» في محل نصب صفة ل «قراطيس» وأما «تخفون» فقال أبو البقاء (٣) : إنها صفة أيضا لها ، وقدر ضميرا محذوفا ، أي : تخفون منها كثيرا.
وأما مكي (٤) فقال : (وَتُخْفُونَ) مبتدأ لا موضع له من الإعراب. انتهى.
كأنه لما رأى خلوّ الجملة من ضمير يعود على «قراطيس» منع كونه صفة ، وقد تقدم أنه مقدّر ، وهو أولى ، وقد جوّز الواحدي في «تبدون» أن يكون حالا من ضمير «الكتاب» من قوله : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) على أنه يجعل الكتاب القراطيس في معنى ؛ لأنه مكتتب فيها. انتهى.
قوله : (عَلى أَنْ تَجْعَلَ) اعتذار عن مجيء خبره مؤنّثا ، وفي الجملة فهو بعيد أو ممتنع.
قوله : (وَعُلِّمْتُمْ) يجوز أن يكون على قراءة الغيبة في «يجعلونه» ، وما عطف
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٨١.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٢.
(٤) ينظر : المشكل ١ / ٢٧٧.