مستأنف ، وأن يكون حالا ، وإنما أتى به مخاطبا لأجل الالتفات ، وأما على قراءة تاء الخطاب فهو حال ، ومن اشترط «قد» في الماضي الواقع حالا أضمرها هنا ، أي : وقد علمتم ما لم تعلموا.
والأكثرون على أن الخطاب هذا لليهود ؛ يقول : علمتم على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم [فضيعوه ولم ينتفعوا به.
وقال مجاهد : هذا خطاب للمسلمين يذكرهم النعمة فيما علّمهم على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم](١).
فإن قيل : إن كل كتاب لا بد وأن يوضع في القراطيس ، فإذا كان الأمر كذلك في كل الكتب ، فما السبب في أن الله ـ تبارك وتعالى ـ حكى هذا المعنى في معرض الذّمّ لهم؟
فالجواب : أن الذّمّ لم يقع على هذا المعنى فقط ، بل المراد أنهم لما جعلوه قراطيس ، وفرّقوه وبعّضوه ، لا جرم قدروا على إبداء البعض وإخفاء البعض ، وهو الذي فيه صفة محمد صلىاللهعليهوسلم.
فإن قيل : كيف يقدرون على ذلك ، مع أن التوراة كتاب وصل إلى أهل المشرق والمغرب ، وعرفه أكثر أهل العلم وحفظوه ، ومثل هذا الكتاب لا يمكن إدخال الزيادة والنقصان فيه ، كما أن الرّجل في هذا الزمان إذا أراد إدخال الزّيادة والنقصان في القرآن لم يقدر على ذلك ، فكذا القول في التّوراة؟
فالجواب أنا ذكرنا في سورة «البقرة» أن المراد من التّحريف تفسير آيات التوراة بالوجوه الفاسدة الباطلة ، كما يفعله المبطلون في زماننا هذا بآيات القرآن (٢).
فإن قيل : هب أنه حصل في التوراة آيات دالّة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم إلّا أنها قليلة ولم يخفوا من التوراة إلّا تلك الآيات ، فكيف قال : «ويخفون كثيرا».
فالجواب أن القوم [كانوا](٣) يخفون الآيات الدّالّة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم فكذلك يخفون الآيات المشتملة على [آيات الأحكام ألا ترى أنهم حاولوا](٤) إخفاء الآية الدالة على رجم [الزاني](٥) المحصن.
قوله : (قُلِ اللهُ) لفظ الجلالة يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن يكون فاعلا لفعل محذوف أي : قل أنزله ، وهذا هو الصحيح للتصريح بالفعل في قوله : (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ) [الزخرف : ٩].
والثاني : أنه مبتدأ ، والخبر محذوف ، تقديره : والله أنزله ، ووجهه مناسبة مطابقة الجواب للسؤال ، وذلك أن جملة السؤال اسمية ، فلتكن جملة الجواب كذلك.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ٦٥.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : أحكام أخر كما أخفوا الآية الدالة.
(٥) سقط في أ.