فأما القراءة الأولى ففيها سبعة أوجه :
أحدها ، وهو أحسنها : أن الفاعل مضمر يعود على الاتّصال ، والاتصال وإن لم يكن مذكورا حتى يعود عليه ضمير ، لكنه تقدّم ما يدلّ عليه ، وهو لفظ «شركاء» ، فإن الشركة تشعر بالاتّصال ، والمعنى : لقد تقطع بينكم الاتصال على الظرفية.
الثاني : أن الفاعل هو «بينكم» ، وإنما بقي على حاله منصوبا حملا له على أغلب أحواله ، وهو مذهب الأخفش ، وجعلوا من ذلك أيضا قوله : (يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) [الحج : ١٧] فيمن بناه إلى المفعول ، وكذا قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] [قال الواحدي (١) : كما جرى في كلامهم](٢) منصوبا ظرفا ، تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام ثم قال في قوله : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ، ف «دون» في موضع رفع عندهم ، وإن كان منصوب اللفظ ، ألا ترى أنك تقول : منا الصالحون ، ومنا الظالمون ، إلا أن الناس لما حكوا هذا المذهب لم يتعرّضوا على هذا الظرف ، بل صرحوا بأنه معرب ، وهو مرفوع المحل قالوا : أو إنما بقي على انتصابه اعتبارا بأغلب أحواله في كلام أبي حيان ، لما حكى مذهب الأخفش ما يصرح بأنه مبنيّ ، فإنه قال : وخرجه الأخفش على أنه فاعل ، ولكنه مبني حملا على أكثر أحوال هذا الظّرف ، وفيه نظر ؛ لأن ذلك لا يصلح أن يكون علّة البناء ، وعلل البناء محصورة ليس هذا منها.
ثم قال أبو حيان (٣) : «وقد يقال لاضافته إلى مبني كقوله (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] وهذا ظاهر في أنه جعل حمله على أكثر أحواله علّة لبنائه كما تقدم».
الثالث : أن الفاعل محذوف و «بينكم» صفة له قامت مقامه ، تقديره : لقد تقطع وصل بينكم. قاله أبو البقاء (٤) ، وردّه أبو حيان (٥) بأن الفاعل لا يحذف ، وهذا غير ردّ عليه ، فإنه يعني بالحذف عدم ذكره لفظا وأن شيئا قام مقامه ، فكأنه لم يحذف.
وقال ابن عطيّة (٦) : «ويكون الفعل مسندا إلى شيء محذوف ، أي : لقد تقطّع الاتّصال بينكم والارتباط ونحو هذا».
وهذا وجه واضح ، وعليه فسّر الناس ، وردّه أبو حيان (٧) لما تقدم ، ويجاب عنه بأنه عبر بالحذف عن الإضمار ، لأن كلا منهما غير موجود لفظا.
الرابع : أن «بينكم» هو الفاعل ، وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣] بفتح «مثل» ، وهو تابع ل «حق» المرفوع ، ولكنه
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٣ / ٧٢.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٨٦.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٨٦.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٥.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٨٦.