وقال الحسن ، وقتادة ، والسّدّي : معناه : الشّق ، أي : يشق الحبّة من السّنبلة ، والنّواة عن النّخلة ، فيخرجها منها (١).
وقال الزّجّاج : يشقّ الحبة اليابسة ، والنّواة اليابسة ، فيخرج منها ورقا أخضر.
وقال مجاهد (٢) : يعني الشّقّين اللذين فيهما ؛ أي : يشقّ الحبّ عن النّبات ، ويخرجه منه ، ويشقّ النّوى عن النّخل ، ويخرجها منها ، و «الحب» جمع «حبّة» ، وهو اسم لجميع البذور والحبوب من البرّ ، والشّعير ، والذّرة ، وكل ما لم يؤكل حبّا ، كالتّمر ، والمشمش ، والخوخ ، ونحوها.
وقال ابن الخطيب (٣) : إن الشيء قبل دخوله في الوجود ، كان معدوما محضا ، ونفيا صرفا ؛ فإذا أخرجه الموجد من العدم إلى الوجود ، فكأنّه بحسب التّخيّل والتّوهم ، شقّ ذلك العدم ، وفلقه ، وأخرج ذلك المحدث من ذلك الشّقّ ، فبهذا التّأويل لا يبعد حمل الفالق على الموجد ، والمحدث المبدع.
فإذا عرفت ذلك ؛ فنقول : إذا وقعت الحبّة ، أو النّواة في الأرض الرّطبة ، ثم مرّ عليه مدّة ، أظهر الله في تلك الحبّة والنّواة [من أعلاها ومن أسفلها شقا آخر] أما الشّقّ الذي يظهر في أعلى الحبّة والنّواة ؛ فإنه يخرج منه الشّجرة الصّاعدة إلى الهواء.
وأما الشقّ الذي أسفل تلك الحبّة والنّواة ؛ فيكون سببا لاتّصال الشّجرة الصّاعدة في الهواء بالشّجرة الهابطة في الأرض. ثم هاهنا عجائب :
أحدها : أن طبيعة تلك الشّجرة إن كانت تقتضي الهويّ في عمق الأرض ؛ فكيف تولّدت منه الشّجرة الصّاعدة في الهواء ، وإن كانت تقتضي الصّعود في الهواء ؛ فكيف تولدت منها الشّجرة الهابطة في الأرض ، فلما تولّدت منها هاتان الشّجرتان ، مع أن الحسّ والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشّجرتين مضادّ لطبيعة الشّجرة الأخرى ؛ علمنا أنّ ذلك ليس بمقتضى الطّبع والخاصيّة ، بل بمقتضى الإبداع ، والإيجاد ، والتّكوين ، والاختراع.
وثانيها : أن باطن الأرض صلب كثيف لا تنفذ المسلّة القويّة فيه ، ولا يغوص السّكّين الحادّة القوي فيه ، مع أنّا نشاهد أطراف تلك العروق في غاية الرّقّة واللّطافة ، بحيث لو دلكها الإنسان بأصبعه بأدنى قوّة ؛ لصار كالماء ، ثم إنها مع غاية لطافتها تقوى على النّفوذ في تلك الأرض الصّلبة ، والغوص في باطن تلك الأجرام الكثيفة ، فحصول هذه القوّة الشّديدة لهذه الأجرام التي في غاية اللّطافة ، لا بدّ وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٥ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦) عن السدي وأبي مالك وذكره السيوطي (٣ / ٦١) عن أبي مالك وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٢٧٥) عن مجاهد.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ٧٤.