الصّفات والأحوال ، مع اتّحاد الطّبائع ، وتأثير الكواكب ، يدلّ على أنّها إنّما حصلت بتخليق الفاعل ، المختار ، الحكيم.
وسادسها : أنّك تجد في الورقة الواحدة من أوراق الشّجرة خطا واحدا مستقيما في وسطها ، كأنّه بالنّسبة لتلك الورقة ، كالنّخاع بالنّسبة إلى بدن الإنسان ، فكأنه يتفرّق من النّخاع أعصاب كثيرة يمنة ويسرة في بدن الإنسان ، ثمّ لا يزال ينفصل عن شعبه شعب أخرى ، ولا تزال تستدقّ حتى تخرج عن الحسّ والإبصار لدقّتها ، فكذلك في تلك الورقة ينفصل عن ذلك الخطّ الكبير الوسطانيّ خيوط مختلفة ، وعن كلّ منهما خيوط أخرى أدقّ من الأولى ، ولا تزال كذلك حتّى تخرج تلك الخيوط عن الحسّ والبصر.
والخالق ـ تعالى ـ إنّما فعل ذلك ، حتّى أن القوى الجارية المذكورة في جرم تلك الورقة ، تقوى على جذب الأجزاء اللّطيفة الأرضيّة في تلك المجاري الضيّقة ، فالوقوف على عناية حكمة الخالق في اتّحاد تلك الورقة الواحدة ، واختلاف أشكال الأوراق ؛ تؤذن أنّ عنايته في اتّحاد حكمة الشّجرة أكمل.
وإذا عرفت أنّه ـ تبارك وتعالى ـ إنّما خلق النّبات لمصلحة الحيوان ، علمت أنّ عنايته في تخليق الحيوان أكمل ؛ ولمّا علمت أن المقصود من تخليق الحيوانات [هو الإنسان](١) علمت أن عنايته في تخليق الإنسان أكمل.
ثمّ إنه ـ تبارك وتعالى ـ لما خلق الحيوان والنّبات ليكون غذاء ودواء للإنسان بحسب جسده ، والمقصود من تخليق الإنسان : هو المعرفة ، والمحبّة ، والخدمة ؛ لقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
قوله : «يخرج» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنّها جملة مستأنفة ، فلا محلّ لها.
والثاني : أنّها في موضع رفع خبرا ثانيا ؛ لأنّ قوله : «مخرج» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على «فالق» ، ولم يذكر الزّمخشريّ (٢) غيره ، أي : الله فالق ومخرج ، أخبر فيه بهذين الخبرين ؛ وعلى هذا فيكون «يخرج» على وجهه ، وعلى كونه مستأنفا فيكون معترضا على جهة البيان لما قبله من معنى الجملة.
والثاني : أنه يكون معطوفا على «يخرج» ، وهل يجعل الفعل في تأويل اسم [ليصحّ عطف الاسم عليه ، أو يجعل الاسم بتأويل الفعل ؛ ليصحّ عطفه عليه؟ احتمالان مبنيّان على ما تقدّم في «يخرج».
إن قلنا : إنه مستأنف فهو فعل غير مؤوّل باسم ؛ فيردّ الاسم إلى معنى الفعل ، فكأن «مخرج» في قوّة «يخرج».
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٧.